ثلاثي من الثقوب السوداء فائقة الكتلة يهز الزمكان

 

نظام من الثقوب السوداء قوي جداً موجود في مجرة بعيدة

 

اكتشف فلكيون ثلاثة ثقوب سوداء فائقة الكتلة تدور قريبا حول بعضها البعض في مجرة تبعد عنا أكثر من 4 مليار سنة ضوئية. لم يسبق اكتشاف مثل هذا القرب الموجود بين الثقوب السوداء فائقة الكتلة ضمن هذا الثلاثي، وهو مهم جداً طالما أن معظم المجرات تحتوي في مراكزها ثقباً أسوداً وحيداً فقط، حيث يمتلك هذا الثقب في العادة كتلة تقع بين 1 مليون إلى 10 مليار ضعف كتلة الشمس. يدل هذا الاكتشاف على أن مثل هذه الثقوب السوداء فائقة الكتلة والموجودة عند هذا القرب، أكثر شيوعاً في الكون مما اعتقدناه سابقاً.

 

أجرى فريق بحثٍ دولي يضم كلا من "هانس راينر" و"كلوكنير"، من معهد "ماكس بلانك" لعلم الفلك الراديوي في بون بألمانيا، مراقبات VLBI (قياس التداخل الأساسي الطويل جداً) بوساطة تلسكوبات راديوية وبشكلٍ متكرر وكل ذلك من أجل اكتشاف الثقبين الأسودين الداخليين والموجودين ضمن النظام الثلاثي. تجمع تقنية VLBI الإشارات القادمة من هوائيات راديوية كبيرة ويفصل بينها مسافة تصل إلى 10000 كيلومتر من أجل رؤية تفاصيل أكثر دقةً بخمسين مرة من تلك التي يُمكن الحصول عليها بوساطة تلسكوب هابل الفضائي. في هذا المشروع، أخذ تلسكوب جبل إيفيل الراديوي (100 متر) دوره في مراقبات شبكة VLBI الأوروبية (EVN)، التي تُغطي ترددين راديويين.

يُعتقد أن المجرات تطور عبر عمليات الاندماج ويجب أن يقود هذا الأمر إلى ثقوب سوداء فائقة الكتلة ومتعددة في بعض تلك المجرات وعند وقتٍ معين.

 

وُجد المصدر الذي خضع للبحث في المسح السماوي الرقمي Sloan والمعروف اختصاراً بـ SDSS ويتمتع هذا المصدر بالاسم الفهرسي SDSS J1502+1115. إنه كوازار، نواة مجرة نشطة وموجودة عند انزياحٍ نحو الأحمر يبلغ z=0.39، وهذا يوافق مسافة تفوق أربعة مليارات سنة ضوئية. تم تحديد نظام ثقوب سوداء ثلاثي في هذا المصدر مع وجود لاثنين من الثقوب السوداء قريبين من بعضهما البعض بشكلٍ كبير ويفصل بينهما مسافة تبلغ 500 سنة ضوئية فقط.

 

يقول "روجر دين"، من جامعة كيب تاون في جنوب أفريقيا، وهو المؤلف الرئيسي للورقة: ‘‘الأمر الذي يبقى استثنائياً بالنسبة لي هو قيام هذه الثقوب السوداء، التي تُمثل الحدود القصوى لنظرية اينشتاين في النسبية العامة، بالدوران حول بعضها البعض بسرعة تبلغ 300 ضعف سرعة الصوت على الأرض. ليس هذا فقط، لكن باستخدام الإشارات الإجمالية والقادمة من التلسكوبات الراديوية الموجودة في أربع قارات، كنا قادرين على رصد هذا النظام الغريب الذي يقع على بعد يصل إلى ثلث عرض الكون. يُثيرني الأمر كثيراً خصوصاً مع تذكر أنه مجرد قشرة من سطح قائمة طويلة من الاكتشافات التي ستكون ممكنة بوجود الصفيفة الكيلومترية المربعة‘‘.

 

من المهم جداً فهم مثل هذه الأنظمة للعديد من الأسباب، فعند الحديث عن تطور المجرات، من المعروف أن الثقوب السوداء تؤثر على كيفية تطور المجرات وبالتالي فهم كيفية اندماج الثقوب السوداء مع بعضها البعض يُعتبر أمراً جوهرياً في هذا العمل. أكثر من ذلك، الأنظمة التي تدور حول بعضها البعض عند هذه المسافة تُعتبر مصدراً للأمواج الثقالية في الكون إذا ما كانت النسبية العامة صحيحة. ستكون التلسكوبات المستقبلية مثل الصفيفة الكيلرومترة المربعة (SKA) قادرةً على قياس الأمواج الثقالية الصادرة عن مثل هذه الأنظمة خلال تقلص مداراتها.

 

عند هذه النقطة، نعرف القليل جداً عن أنظمة الثقوب السوداء القريبة من بعضها البعض كثيراً والتي تقوم بإصدار أمواج ثقالية قابلة للرصد.

يقول "مات جارفيس" من جامعتي اكسفورد وكاب ويسترن: ‘‘لا يقترح هذا الاكتشاف فقط أن أنظمة الثقوب السوداء الثنائية شائعة الوجود أكثر بكثير مما اعتقدناه في السابق وإنما يتنبأ بأنه يمكن للتلسكوبات الراديوية مثل MeerKAT وشبكة VLBI الأفريقية أن تقوم بشكل مباشر بالمساعدة في الكشف عن إشارة الأمواج الثقالية وفهمها. في المستقبل، سيسمح SKA لنا بإيجاد ودراسة هذه الأنظمة بتفصيلٍ رائع وبالتالي يسمح لنا بالحصول على فهمٍ أفضل بكثير لكيفية قيام الثقوب السوداء بنحت المجرات على طول تاريخ الكون‘‘.

 

في الوقت الذي تُعتبر فيه تقنية VLBI أساسية من أجل اكتشاف الثقبين الأسودين الداخليين (اللذين يعتبران في الواقع ثاني أقرب زوج، من الثقوب السوداء فائقة الكتلة، تم اكتشافه حتى الآن). برهن كل من "دين" والمؤلفين المساعدين على أن وجود انظمة الثقوب السوداء الثنائية يُمكن أن يُكشف جراء وجود مميزات كبيرة جداً. تترك الحركة المدارية للثقب الأسود بصمات في تدفقاته الكبيرة، معطيةً إياها شكلها الحلزوني أو المشابه لمفتاح النبيذ. لذلك وعلى الرغم من إمكانية وُجود الثقوب السوداء عند مسافات قريبة جداً من بعضها البعض بحيث لا يمكن لتلسكوباتنا أن تقوم بفصلها، إلا أن تدفقاتها الإعصارية ربما تقدم وسيلة بسيطة تُشير إليها، وهذا الأمر مشابه لاستخدام شعلة ما من أجل تحديد موقعك في البحر. ربما يُقدم هذا الأمر طريقةً جديدة للتلسكوبات المستقبلية الحساسة مثل MeerKAT وSKA من أجل إيجاد الثقوب السوداء بفعالية أكبر بكثير.

 

يستنتج "كلوكنير" من معهد ماكس بلانك لعلم الفلك الراديوي، وهو مؤلف مساعد في الورقة: ‘‘وجدنا الإبرة الأولى ضمن الكون متوسط العمر وأتمنى أن نقوم بإيجاد أنظمة من هذا النوع أكثر وأشد قرباً إلينا في المستقبل القريب. لن تسمح لنا مثل هذه الأنظمة الثنائية القريبة برؤية كيفية نمو الثقوب السوداء فائقة الكتلة أو الطريقة التي تؤثر من خلالها على زمكاننا فقط، وإنما ستساعدنا على فهم آلية عمل الداخلية والتفاعل بين التدفقات وبين قرص التراكم المحيط بالثقوب السوداء‘‘.

 

يُعتبر هذا الاكتشاف مثالاً أساسياً عن كيفية عمل علم الفلك الراديوي هذه الأيام، فهو عبارة عن جهدٍ وتعاون دولي ينتج عن الوصول إلى البيانات القادمة من منشآت متوزعة في كافة أرجاء العالم.

سيكون المستقبل مشرقاً بوجود SKA، أكبر تلسكوب راديوي في العالم وسيمكن الحصول على مثل هذه الاكتشافات ضمن أُطر تعاون دولي على أمل ان تقوم ألمانيا بإيجاد طريقة لدعم هذه المحاولة في المستقبل وتمكين العلماء والمهندسين من المشاركة في مشروع SKA.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات