المكفوفون يستخدمون القشرة البصرية في الدماغ لحل المسائل الرياضية: جسم الإنسان مذهل بالفعل!

أظهرت دراسة صغيرة أن المكفوفين بإمكانهم أن يعيدوا توظيف قشرة دماغهم البصرية، بحيث يستخدمونها في إجراء حسابات رياضية [1]. كانت النتيجة مفاجئة، لأن القشرة البصرية مسؤولة في العادة عن معالجة ما تراه العيون.

كما كانت إحدى نتائج البحث تقول إن هناك أنماطًا متماثلةً في نشاط الدماغ عند كل من المكفوفين والأفراد المبصرين عند قيامهم بحل المسائل الرياضية، مما يشير إلى أن "إبصار" المرء وإدراكه لمجموع رقمين لا يعتمد بالضرورة على وجود تجارب بصرية سابقة فيما يتعلق بالجمع.

وذكرت شيبرا كانجليا Shipra Kanjlia، وهي إحدى أعضاء فريق البحث من جامعة جونز هوبكنز لكولين باراس من مجلة New Scientist: "القشرة البصرية تمثل بنية تشريحية قديمة لطالما كانت وظيفتها هي معالجة المدخلات البصرية، وكنا نظن أن ذلك لم يكن ليتغير، ولكننا وجدنا أنه تغير!".

قام الباحثون بإجراء مسح بالرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI على 36 متطوعًا، كان 17 منهم مكفوفين منذ الولادة. طُلب من المشاركين خلال المسح إجراء حسابات بسيطة في عقولهم (وغُطيت عيون المشاركين سليمي البصر بعصابات خلال الفحص).

وبمقارنة النتائج، أظهرت المسوحات فعالية متماثلة في منطقة الثلم داخل الفص الجداري intraparietal sulcus في أدمغة المشاركين المبصرين والمكفوفين. و"الثلم داخل الفص الجداري" هو جزء من الدماغ يُعتقد بشكل كبير أن له علاقة بمعالجة الأرقام.

تقول كانجليا لمجلة New Scientist: "إنه من المدهش حقًا أن نجد بأن فعالية الدماغ مماثلة بشكل ملحوظ على الأقل فيما يخص مصطلحات معالجة الأرقام التقليدية".

ولكن نتائج المسوحات لم تقتصر على ذلك فقط.

كانت القشرة الدماغية البصرية عند المشاركين المكفوفين منذ الولادة نشطةً خلال عملية الحساب، وكلما ازدادت الأسئلة صعوبةً كلما ازداد نشاطها أكثر. وما يثير الغرابة، أن ذلك لم يحدث عند المجموعة المُبصِرة.

ذكرت كانجيلا في تقرير للصحافة: "إن شبكة الأرقام تتطور بشكل مستقل تمامًا عن التجارب البصرية التي عايشها المرء، حيث لم يرَ هؤلاء المكفوفون شيئًا في حياتهم ولكن كان لديهم شبكة الأرقام ذاتها الموجودة عند المبصرين".

في هذه المرحلة، لا يستطيع الباحثون شرح كيف من الممكن أن يحدث ذلك، لكن ذلك يمكن تفسيره بأن الدماغ يستفيد من أجزاء العضو التي لم تعد مشغولة نظرًا للمرونة الموروثة للقشرة البصرية. وبالتالي، فإن مرونة الدماغ هذه تعني أنه يستطيع إعادة توظيف ذاته للقيام بكل المهام القشرية الأخرى.

تقول إحدى أعضاء الفريق مارينا بيدني Marina Bedny: "إذا تمكنا مبدئيًا من جعل القشرة البصرية تقوم بإجراء الحساب، فمن الممكن جعل أي جزء من الدماغ يقوم بأي شيء".

على الرغم من أن هذه دراسة صغيرة جدًا، إلا أنها ليست المرة الأولى التي يجد فيها العلماء أن أدمغة المكفوفين تغير من غاياتها الوظيفية repurpose itself لإنجاز أعمال جديدة، حيث أظهرت دراسة أجريت في 2010، أن الأجزاء البصرية من الدماغ من الممكن أن تُعَدَّل غاياتها الوظيفية في سبيل تعزيز اللمس والسمع.

ذكر الباحثون القائمون بهذه الدراسة من المركز الطبي التابع لجامعة جورج تاون، أن الدماغ أظهر مرونة كافية للتكيف مع مختلف الإحساسات الواردة إليه والتعامل معها بنفس طريقة التعامل مع المعلومات البصرية.

وفي السنة السابقة وجدت دراسة أخرى من جامعة جونز هوبكنز، أن الأطفال المكفوفين يستخدمون قشرتهم البصرية هذه المرة في معالجة الكلام. ووفقاً للباحثين، كان هذا بمثابة "استعمار" للقشرة البصرية بوظائف مختلفة.

تقول عالمة الأعصاب ريبيكا ساكس Rebecca Saxe: "في بعض الظروف، تقوم مناطق من القشرة الدماغية بأدوار تختلف عن الأدوار التي تقوم بها في العادة".

وكل ذلك يطرح السؤال التالي: ما مدى مرونة القشرة الدماغية لدينا؟ وما هي حدود القدرات الجديدة التي من الممكن أن تتعلمها؟".
لا يسعنا إلا الانتظار لمعرفة ما سيقود إليه هذا البحث.

نُشرت هذه الدراسة في دورية Proceedings of the National Academy of Sciences.

 

الملاحظات


[1] وذلك بالاستفادة من خاصية لدماغ البشر تعرف بـ "تعديل الغايات الوظيفية" Repurposing والتي يمكن للدماغ بها أن يستفيد من مناطق معينة للقيام بمهام غير مهامها الأصلية.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات