حواسيب جديدة تحاكي وظيفة الدماغ البشري

خطوة جديدة إلى الأمام في تقنية ممرستور (Memristor) تمكننا من الاقتراب أكثر إلى حوسبة شبيهة بالدماغ البشري (Brain-Like Computing).

 

يعمل الباحثون دوماً على البحث عن تكنولوجيا متطورة، لكن الكمبيوتر الأكثر فاعليةً على الإطلاق هو الموجود حالياً، بحيث يستطيع التعلم والتكيف من دون الحاجة إلى البرمجة أو التحديث، ولديه ذاكرة لا محدودة تقريباً ومن الصعب إتلافها، وتعمل بسرعات كبيرة للغاية. ما نتكلم عنه ليس ماك (Mac) أو الحاسوب الشخصي (Personal Computer)، بل هو الدماغ البشري، الذي يسعى العلماء حول العالم إلى محاكاة قدراته.

 

تعمل المختبرات الأكاديمية والصناعية جنباً إلى جنب من أجل تطوير أجهزة كمبيوتر تعمل بشكل مشابه للدماغ البشري، بدلاً من أن تعمل مثل النظام الرقمي التقليدي، حيث أنه من الممكن لهذه الأجهزة الجديدة أن تعمل بشكل مماثل أكثر لوظيفة الشبكة العصبونية (Network of Neurons).

 

يقول مارك هيرسام Mark Hersam: "إن أجهزة الكومبيوتر مدهشة للغاية في العديد من المجالات، لكنها لا تتساوى مع الدماغ البشري"، ومارك هو رئيس بيت ونيسون هاريس في التميّز التدريسي في مدرسة ماكوريك للهندسة التابعة لجامعة نورث وسترن. ويضيف: "يمكن للعصبونات تنفيذ عمليات حسابية معقدة جداً مع استهلاكها للقليل جداً من الطاقة مقارنةً مع جهاز الكمبيوتر الرقمي".

 

وقد قام فريق من جامعة نورث ويسترن ومعهم هيرسام بتحقيق خطوة إلى الأمام في مجال الإلكترونيات التي يمكنها أن تجعل من الحوسبة الشبيهة بالدماغ واقعاً قريباً، كما عمل الفريق على تطوير مقاومات الذاكرة (MEMory ResISTORs) أو ممرستور (MEMRISTOR)، وهي عبارة عن مقاومات ضمن دائرة كهربية "تتذكر" كمية التيار التي تتدفق من خلالها.

 

هذا وقد نشر البحث في عدد السادس من نيسان من مجلة نايتشر لتكنولوجيا النانو (Nature Nanotechnology)، حيث شارك في إعداد الورقة العلمية كل من توبين ماركس Tobin Marks بروفيسور في Vladimir N. Ipatieff للكيمياء التحفيزية، ولينكولن لوان Lincoln Lauhon بروفيسور علم وهندسة المواد.

وقد ساعد فينود سنغوان Vinod Sangwan ككاتب أولي للورقة وهو زميل مشارك في فترة الدراسة ما بعد الدكتوراه لكل من هيرسام وماركس ولوان.

أما بالنسبة للباحثين المشاركين المتبقيين وهم ديب جيروالا Deep Jariwala وإن سوو كيم In Soo Kim وكان-شينغ تشين Kan-Sheng Chen فهم أعضاء في المجموعات البحثية التابعة لهيرسام وماركس و/أو لوان.

 

يقول هيرسام: "من الممكن استخدام ممرستور كعنصر ذاكرة ضمن دائرة متكاملة (Integrated Circuit) أو كمبيوتر"، ويضيف: "وعلى عكس الذاكرات الأخرى الموجودة اليوم في الإلكترونيات الحديثة، فإن ممرستور مستقرة وقادرة على تذكر حالتها حتى بعد انقطاع الطاقة".

 

هذا وتستخدم أجهزة الكمبيوتر الحالية ذاكرة الوصول العشوائي (Random Access Memory) التي تختصر باسم (RAM) والتي يمكنها التبدّل بسرعة كبيرة أثناء عمل المستخدم، ولكنها لا تحتفظ بالبيانات غير المخزنة في حال انقطاع الطاقة، وذلك على خلاف الأقراص الومضيّة (Flash Drives) التي تقوم بتخزين المعلومات حتى في حال انقطاع الطاقة، الأمر الذي يجعلها تعمل بشكل أبطأ بكثير.

 

من الممكن أن تُقدم ممرستور ذاكرة أفضل من الناحيتين معاً بحيث تكون سريعة وموثوقة، إلا أن هنالك مشكلة فيها، وهي أن ممرستور أجهزة الكترونية ثنائية الطرف (two-terminal electronic devices)، وبالتالي فهي لا تستطيع التحكم إلا بفرق الجهد على قناة واحدة. أما هيرسام فيريد تحويلها إلى جهاز ثلاثي الأطراف، سامحاً لها من أن تستخدم في دوائر وأنظمة إلكترونية أكثر تعقيداً.

 

واجه هيرسام وفريقه هذا التحدي بالاستفادة من ثنائي كبريت الموليبدينوم أحادي الطبقة (single-layer Molybdenum Disulfide) ذو الصيغة الكيميائية (MoS2). وهو عبارة عن مادة رقيقة ذرياً وثنائية البُعد ذات قياس من رتبة النانو متر، حيث تُعتبر هذه المادة من أنصاف النواقل (Semiconductor).

 

وبشكلٍ مشابهٍ أكثر للطريقة التي تتوضع فيها ألياف الخشب، فإن الذرات تتوضع باتجاه محدد -يُدعى الحبيبات (Grains)- في داخل المادة.

يملك لوح MoS2 -الذي استخدمه هيرسام- حداً حُبيبياً واضحاً على نحو جيد، وهو يُعتبر السطح الفاصل بين اثنين من الحبيبات المختلفة المتجاورة.

 

يضيف هيرسام مفسراً: "ولأن الذرات لا تصطف باتجاه واحد، فلا يوجد هنالك روابط كيميائية غير مشبعة عند ذلك السطح الفاصل"، ويضيف: "تؤثر هذه الحدود الحُبيبية على جريان التيار الكهربائي، لذلك يمكن لهذه الحدود أن تعمل كوسيلة لتوليف المقاومة".

 

عند وجود حقل كهربي كبير، تتحرك الحدود الحُبيبية بشكلٍ دقيق مسببةٍ تغيراً في المقاومة، ولكن ومع استخدام (MoS2) وبوجود خلل الحدود الحُبيبية هذا، وبدلاً من استخدام بُنية ممرستور معدن-أكسيد-معدن، فقد استطاع الفريق تقديم جهاز ممرستوري ثلاثي الأطراف (three-terminal memristive) استثنائي، ومن الممكن توليفه بشكل واسع باستخدام قطب بوابة (Gate Electrode).

 

يقول هيرسام: "بوجود ممرستور، والتي من الممكن توليفها باستخدام قطب ثالث، أصبح لدينا إمكانية تحقيق الوظيفة التي لم نستطع تحقيقها من قبل"، ويضيف : "لقد طُرحت ممرستور ثلاثية الأطراف كوسيلة نحو تحقيق حوسبة شبيهة بالدماغ البشري. ونحن الآن بالفعل في طور اكتشاف هذه الإمكانية في المختبر".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • أشباه الموصلات (أو أنصاف النواقل) (semiconductor): وهي مواد ذات مقاومة كهربائية ديناميكية بمجال بين مقاومة الموصلات ومقاومة العوازل، بحيث ينتقل التيار الكهربائي فيها عبر تدفق الالكترونات إلى القطب الموجب وتدفق للثقوب باتجاه القطب السالب (الثقب هنا موضع لإلكترون متحرّر)، من أهم تطبيقاتها: الترانزستور والثنائيات الباعثة للضوء
  • الإلكترود (electrode): وهو القطب الموصل كهربائياً، إما سالب أو موجب.
  • الممرستور (Memristor): الممرستور أو الذاكرة المقاومة (Memristor) هو عنصر له طرفان تتغير مقاومته مع تغير الجهد، ولكن عندما ينقطع التيار تظل المقاومة كما هي، وهذا ما يعطي للعنصر صفة الذاكرة لأنها تحتفظ بآخر قيمة للمقاومة حتى بعد انقطاع التيار. وهذا يجعل الممرستور يناظر الوصلة العصبية بعقل الإنسان.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات