الكون الآخذ بالاتساع.
أثيرت مؤخراً زوبعة من التعليقات عن الفكرة القديمة القائلة بأن توسع الكون ربما يكون غير حقيقي بعد كل ذلك الوقت. جاء هذا بعد النشر هذا الشهر عن نظرة جديدة على المستعرات العظمى (السوبرنوفا supernovae) في عالمنا والتي يقول الباحثون إنها كشفٌ هامشي فقط لتسارع الكون.
يبدو ذلك بمثابة حدث عظيم لأن جائزة نوبل لعام 2011 مُنحت لقادة من فريقين استخدما السوبرنوفا لاكتشاف أن توسع الكون يتسارع. ولم أواجه مؤخراً مثل هذه الزوبعة التي أثيرت، فالتحليل الجديد الذي نشر في مجلة Scientific Reports بالكاد يغير النتيجة الأصلية، لكنه يطرح تحليلاً مختلفاً (وبرأيي مخادعاً) يدور حوله.
إذاً فلماذاً تدعي هذه الورقة الجديدة أن اكتشاف التسارع هو "هامشي"؟
حسناً، هو هامشي إذا كنت تستخدم فقط مجموعة بيانات واحدة، ورغم ذلك فإن معظم الاكتشافات الكبيرة هي في البداية هامشية. ولو كانت أكثر وضوحاً، لاكتُشفت عاجلاً.
الدليل حتى الآن.
على امتداد طفيف فقط يمكن لبيانات السوبرنوفا وحدها أن تكون متوافقة مع كون لا يتسارع ولا يتباطأ وهذا ليس موضع نزاع إذ إنه معروف منذ الاكتشاف الأصلي.
ولكنك إذا أضفت معلومات أخرى وعلى سبيل المثال وجود المادة فلا يوجد شيء هامشي حيال ذلك، فثمة فيزياء جديدة مطلوبة. وفي الواقع إذا كان الكون لا يتسارع أو لا يتباطأ على الإطلاق -وهو اقتراح قديم أعيد النظر في هذه الورقة الجديدة- فإن الفيزياء الجديدة لا تزال مطلوبة.
والنقطة الهامة في هذه الأيام هي أنك لو أنحيت جميع بيانات السوبرنوفا جانباً، فلا يزال لدينا أدلة وافرة على أن توسع الكون يتسارع.
فعلى سبيل المثال، قمنا في أستراليا بمشروع يدعى ويغليز WiggleZ الذي أجري على مدى خمس سنوات في استقصاء لمراكز ما يقرب من ربع مليون مجرة. وشكل المجرات ليس عشوائياً في الواقع، لذلك استخدمنا هذا الشكل لوضع ورقة رسم بياني بشكل فعال على الكون وقياس كيف يتغير حجمها مع مرور الوقت.
وباستخدام هذه البيانات وحدها يظهر أن الكون الممتد يتسارع وهذه البيانات مستقلة عن أي معلومات عن السوبرنوفا. ولم تمنح جائزة نوبل إلا بعد هذا، وقد أكدت تقنيات الرصد الأخرى الكثيرة نتائج السوبرنوفا.
هناك شيء مفقود في الكون
مثال آخر هو إشعاع الخلفية الكونية الميكروي (CMB) وهو بقايا وميض من الانفجار الكبير وهي واحدة من قياسات الرصد الأكثر دقة للكون من أي وقت مضى، ويدل على أن الفضاء قريب جداً من كونه مسطحاً.
وفي الوقت نفسه تُظهر ملاحظات المجرات أن هناك ببساطة ما يكفي من المادة أو المادة المظلمة في الكون لجعل الفضاء مسطحاً، فنحو 70% من الكون مفقود.
لذلك عندما وجدت الملاحظات عن السوبرنوفا أن 70% من الكون يتكون من الطاقة المظلمة وهو الشيء الذي حل التناقض. تم قياس السوبرنوفا بالفعل من خلال إشعاع الخلفية الكونية الميكروي (CMB)، وتوقع أساساً أن إشعاع الخلفية الكونية الميكروي (CMB) يقيس كوناً مسطحاً، التنبؤ الذي أكد بشكل رائع.
لذلك فإن الأدلة على بعض الفيزياء الجديدة المثيرة للاهتمام قد تلاشت الآن. يمكنني الاستمرار، ولكن كل ما نعرفه حتى الآن يدعم نموذج أن الكون يتسارع.
ما هي "الطاقة المظلمة dark energy"؟
واحدة من الانتقادات التي تهدمها الورقة الجديدة عند علم الكونيات القياسية أن استنتاج تسارع الكون يعتمد على النماذج، هذا يبدو عادلاً.
وعادة ما يكون علماء الكون حريصين على القول بأننا ندرس "الطاقة المظلمة"، وهو الاسم الذي نعطيه لأي شيء يتسبب في تسارع واضح لتوسع الكون. (غالباً ما نسقط "واضح" في تلك الجملة، ولكنها موجودة ضمناً).
"الطاقة المظلمة" عبارة عن مصطلح شامل نستخدمه لتغطية العديد من الاحتمالات، بما في ذلك أن طاقة الفراغ تتسبب في التسارع، أو أننا بحاجة إلى نظرية جديدة للجاذبية، أو حتى أننا قد أسأنا تفسير النسبية العامة ونحتاج إلى نموذج أكثر تعقيداً.
والسمة الرئيسية ليست في النزاع بل هي أن هناك بعض الفيزياء الجديدة الهامة واضحة في هذه البيانات، هناك شيء يتجاوز ما نعرفه عن الكيفية التي يعمل بها الكون وهو أمر يجب تفسيره. لذلك دعونا ننظر إلى ما فعلت الورقة الجديدة في الواقع، وللقيام بذلك دعونا نستخدم التمثيل.
هوامش القياس
تخيل أنك تقود سيارتك بسرعة لا تقل عن 60 كم ومن ثم تحاول كبح سرعتك لتصل إلى 55 كم ولكن عداد المسافات لديه بعض الشك في ذلك. إذاً أنت أخذت هذا في الاعتبار وإنك متأكد بنسبة 99% أنك تنتقل بين 51 كم في الساعة و59 كم في الساعة. الآن جاءت صديقتك وحللت بياناتك ولكن بطريقة مختلفة بعض الشيء فهي تقيس سرعتك لتكون 57 كم في الساعة. نعم القياس مختلف بعض الشيء عن قياسك لكنه لا زال ثابتاً لأن عداد المسافات الخاص بك ليس دقيقاً.
لكن صديقتك تقول لك الآن: "ها لقد كنت -بشكل هامشي- أقل فقط من الحد الأقصى للسرعة وهناك كل الاحتمالات أنك كنت مسرعاً". بعبارة أخرى، فالجواب لم يتغير بشكل ملحوظ ولكن التفسير الوارد في الورقة يأخذ الحد الأقصى للمنطقة المسموح بها وتقول "ربما يكون الحد الأقصى هذا صحيح".
بالنسبة لأولئك الذين يحبون التفاصيل، فحد الانحراف للمعايير الثلاثة من بيانات المستعر الأعظم كبير بما فيه الكفاية (فقط) ليشمل الكون غير المتسارع. ولكن هذا إذا كان هناك عدم اهتمام أساساً في الكون وتجاهلت كل القياسات الأخرى.
تحسين التحليل
تحاول هذه الورقة الجديدة أن تفعل شيئاً يستحق الثناء، وتحاول تحسين التحليل الإحصائي للبيانات. فكلما حصلنا على المزيد والمزيد من البيانات فإن عدم اليقين بالنسبة لقياسنا يتقلص، ويصبح أكثر وأكثر أهمية أن تأخذ في الاعتبار كل التفاصيل الأخيرة.
وفي الواقع، فنحن لدينا ثلاثة أشخاص يعملون بدوام كامل على اختبار وتحسين التحليل الإحصائي التي نستخدمها لمقارنة بيانات السوبرنوفا بالنظرية وذلك بالإضافة إلى مسح الطاقة المظلمة.
ونحن ندرك أهمية التحليل الإحصائي المحسن لأننا سنصل قريباً إلى نحو 3000 سوبرنوفا بالإضافة إلى قياس التسارع بدقة أكثر من التي في الاكتشافات الأصلية التي لا يوجد فيها سوى 52 سوبرنوفا، وتتضمن العينة التي أعادت الورقة الجديدة تحليلها 740 سوبرنوفا.
وملاحظة أخيرة حول الاستنتاجات الواردة في الورقة، يشير المؤلفون إلى أن الكون غير المتسارع يستحق النظر فيه. هذا جيّد، ولكن أنت وأنا والأرض ودرب التبانة وجميع المجرات الأخرى يجب أن يجذب بعضها بعضاً. ولذلك فالكون الذي يمتد فقط بمعدل ثابت هو في الواقع أكثر غرابة من كون يتسارع. ولازال ينبغي عليك شرح لماذا لا يبطئ التوسع بسبب الجاذبية في كل شيء يشمله.
لذلك حتى لو كان الادعاء القائل بعدم التسارع المقدم في هذه الورقة صحيح، فإن التفسير لا يزال يتطلب فيزياء جديدة، والبحث عن "الطاقة المظلمة" التي يفسرها هو بنفس القدر من الأهمية. التشكك الصحي هو أمر حيوي في البحث. ولا يزال هناك الكثير من النقاش حول ما يسبب التسارع، وما إذا كان مجرد تسارع واضح يحدث لأن فهمنا للجاذبية لم يكتمل بعد.
وفي الواقع هذا ما نفعله نحن الخبراء من علماء الكونيات بأن نقضي حياتنا المهنية في البحث. وتتفق هذه الورقة الجديدة وجميع الأوراق السابقة على أن هناك شيء يحتاج إلى تفسير. وتظهر بيانات السوبرنوفا شيئا غريباً حقاً. قد يكون الحل هو التسارع أو نظرية جديدة للجاذبية. مهما كان فنحن سنواصل البحث عنه.
ولذلك فالكون الذي يمتد فقط بمعدل ثابت هو في الواقع أكثر غرابة من كون يتسارع. ولا زال ينبغي عليك شرح لماذا لا يبطؤ التوسع بسبب الجاذبية في كل شيء يشمله. لذلك حتى لو كان الادعاء القائل بعدم التسارع المقدم في هذه الورقة صحيحاً، فإن التفسير لا يزال يتطلب فيزياء جديدة، والبحث عن "الطاقة المظلمة" التي يفسرها بالقدر نفسه من الأهمية.
التشكك الصحي هو أمر حيوي في البحث. ولا يزال هناك الكثير من النقاش حول ما يسبب التسارع، وما إذا كان مجرد تسارع واضح يحدث لأن فهمنا للجاذبية لم يكتمل بعد.
وفي الواقع هذا ما نفعله نحن الخبراء علماء الكونيات بأن نقضي حياتنا المهنية في البحث. وتتفق هذه الورقة الجديدة وجميع الأوراق السابقة على أن هناك شيء يحتاج إلى تفسير، وتظهر بيانات السوبرنوفا شيئا غريباً حقاً، قد يكون الحل هو التسارع أو نظرية جديدة للجاذبية. مهما كان فنحن سنواصل البحث عنه.