الملهم..المبتكر...المحب: الجانب الآخر من شخصية ريتشارد فاينمان

تناولنا أصدقائنا في موضوعٍ سابق اليوم سيرة حياة عبقري الفيزياء الحديثة ريتشارد فاينمان، وسلطنا الضوء بشكلٍ مركز على إنجازاته ومسيرته العلمية. إلا أن الرائع في مسيرة فاينمان الشخصية ليس إنجازاته العلمية فقط، بل أيضاً شخصيته وتأثيره في المجتمع المحيط به، وحتى علاقاته العاطفية. 

 

  • في المجتمع العلمي: فاينمان مُلهماً
تتجاوز مكانة فاينمان بين الفيزيائيين أهمية إنجازاته بكثير. إن غِنى شخصية فاينمان وجرأته، بالإضافة إلى حدة الذكاء العجيبة التي كان يتمتع بها، أضافت إليه المزيد من السحر. بالفعل كان فاينمان كما قِيل عنه "عقلٌ غير تقليدي على الإطلاق"، لقد كان حاسوباً غريباً يُمكنه أن يَخلق انطباعات درامية جداً لدى مجموعة كاملة من العلماء. وثقافته الصافية، أصبحت جزءاً من نهج الفيزياء الحديثة اليوم.
 

صارت مخططات فاينمان، وتكاملات فاينمان، وقواعد فاينمان الحديث اليومي لعلماء الفيزياء. وأضحى فاينمان في عالمِ الفيزياء مثالاً يُحتذى، حيث كان الطلاب الجامعيين يقولون عند وصف ذكاء أحدهم "ليس فاينمان، لكنَّه ذكي". حُسد فاينمان من قبل زملائه الجامعيين على لحظات الإلهام التي كان تأتي إليه، وكانوا يَعجبونَ منه ومن قدراته. كانوا يستغربون من الإيمان العميق لديه ببساطة الطبيعة.

 

  • مع كارثة تشالنجر والمجتمع
لعب فاينمان دوراً مهماً في التحقيق في كارثة المكوك الفضائي تشالنجر، إذ كان عضواً في اللجنة الرئاسية التي تمَّ تشكيلها بأمرٍ من الرئيس (رونالد ريجان) للتحقيق في الواقعة الكارثية. أجرى فاينمان مقابلاتٍ عديدة مع مدراء وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، وكان استنتاجه أن تقديرات خبراء ناسا كانت غير واقعية وحذَّر في تقريره الذي قدَّمه بأنّه "إذا أردت أن تمتلكَ تكنولوجيا ناجحة، عليكَ أن تبني حساباتكَ بناءً على معطيات الواقع، لا على العلاقات العامة فالطبيعة لا يُمكن خداعها".
 

جُمعت محاضرات فاينمان في الفيزياء في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في كتاب الالكتروديناميك الكوانتي – 1961. وفي عام 1961 بُدءَ بإعادة تنظيم محاضرات مقدمة الفيزياء التي ألقاها في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا ضمن مجموعة من الكتب، ونُشرت هذه المجموعة بين الأعوام 1963 و1965 على ثلاث أجزاء، واكتسبت شهرة ليس في أمريكا وحدها وإنَّما في العالم أجمع، وربّما لا تُوجد لغة أساسية وكبيرة في العالم إلاّ وهذه الأعمال مُترجمة إليها. 

 

"تُريد أن تعشق الفيزياء وتجعل منها نهجاً في الحياة، ببساطة: اقرأ محاضرات فاينمان في الفيزياء".

 

  • قصته مع المحبة
في يونيو 1945، فقَدَ الفيزيائي العظيم ريتشارد فاينمان البالغ من العمر حينها 27 عاماً زوجته آرلين فاينمان جراء إصابتها بمرض السل. توفيت آرلين في ربيعها الخامس والعشرين، وقد كانت آرلين حبيبة فاينمان في المدرسة الثانوية. ولاحقاً أصبحت أكثر من ذلك بكثير.
 

كتب لورانس كراوس في العام 2012 في كتابه عن سيرة فاينمان: "ريتشارد وآرلين كانا قرينين روحيين. ولكنهما لم يكونا نسختين طبق الأصل أيضاً، بل على النقيض من ذلك كانا مختلفين -كل منهما يُكمل الآخر. في الوقت الذي أُعجبت آرلين بالعبقرية العلمية الواضحة لدى ريتشارد، عشِق ريتشارد حقيقة كون آرلين تحب وتفهم الأشياء التي بالكاد يُقدرها. لكن المشترك بينهما والأهم من هذا كله، حبهما للحياة وروح المغامرة. خلال سنينهما المعدودة التي قضياها معاً، تبادل ريتشارد وآرلين رسائل كثيرة، والعديد منها جُمع الآن في كتاب. لكن لم تكن أياً منها أكثر تأثيرا من تلك التي كتبها لآرلين بعد مضي ستة عشر شهراً على وفاتها. يائساً وضائعاً، كتب فاينمان رسالة شافية ولم تُفتح إلا بعد وفاته في عام 1988. 

 

في يونيو من عام 1952، تزوج فاينمان من ماري بيل (Mary Louise Bell)، ولم يُعمر هذا الزواج طويلاً وكان زواجاً فاشلاً وفي دعوى الطلاق التي قدمّتها ماري، كتبت: 
"إنّه يحل مسائل التفاضل والتكامل في رأسه فورَ استيقاظه من النوم، وهو يقود السيارة، وهو في غرفة المعيشة، وهو مستلقي على السرير". في وقتٍ لاحق تزوج فاينمان جينيث هوارث (Gweneth Howarth) من يورك شيري، وشاركته زوجته حبه لروح المغامرة والحياة.
 
  • قصته مع عنصر الفينمانيوم (Feynmanium) والعدد 137 
الفينمانيوم اسمٌ لعنصر كيميائي نظري يحمل الرمز Fy والعدد الذري 137. سُمي هذا العنصر تكريماً لفاينمان. لاحظ فاينمان أنّه يمكننا تقديم تفسير بسيط لمعادلة ديراك وينفع مع المسائل التي يكون فيها المدار الذري للالكترون موجود عند Z>137. يقترح هذا الحل أنّه من غير الممكن للذرات الحيادية أن تُوجدَ بعدد ذري يفوق ذلك الذي يتمتع به عنصر الفينمانيوم وبالتالي يتوقف الجدول الدوري ويتحطّم عند هذا العنصر. 
 

على أية حال، أدى تحليل دقيق إلى استنتاج أنَّ ذلك العدد هو 173.عموماً هذا الأمر جرى بخصوصه الكثير من البحث ولازال. عنصر الفينمانيوم عبارة عن معدن رمادي اللون بكثافة تبلغ 6.6 غرام في السنتمتر المكعب وسرعة الصوت فيه تصل إلى 3388 متر في الثانية. 

 

في سنتمتر مكعب واحد من هذا العنصر، تُوجد 10^22 ذرة وهو عددٌ مساوٍ تقريباً لعدد النجوم في الكون المرصود. يحمل هذا العنصر الموقع 17 في سلسلة لافوزييه (من الجدول الدوري) والتي تبدأ بالعنصر لافوزيوم ذي العدد الذري 121.

 

  • جائزة فاينمان للتميز في التعليم
تمَّ تأسيس هذه الجائزة في العام 1993 لتكريم المدرسين الجامعيين الذين يُبدونَ قدرةً غير اعتيادية وإبداعاً في تدريس الطلاب غير المتخرجين أو طلاب الدراسات العليا، في قاعات الصفوف أو في المخابر. يبدي أحد الأساتذة من زملاء فاينمان ملاحظةً: "هل تعلم أنَّ فاينمان يطرحٍ الأسئلة ويستمر في طرحها حتى يحصل على إجابات لها". تتألف الجائزة، إضافةً إلى كونها تكريماً عظيماً للأستاذ، من مكافأة نقدية قيمتها 3500 دولار، يُضاف إليها زيادة سنوية في الراتب تساوي قيمة المكافأة.

 

ملاحظة: شارك في مراجعة المقال ماريو رحال من مبادرة الفيزيائيون، والمقال مُعد للمبادرتين معاً.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات