يقول فاينمان: "إنَّ الطبيعة لا تستعمل إلا الخيوط الطويلة لتَنسج النموذج الذي يُؤلف بتكراره كامل المنسوج، ممَّا يجعل أصغر قطعة من هذا النسيج، تُنبئ عن بنية القماش كله".
- معلومات عامة
أعاد فاينمان إنتاج وتصميم الالكتروديناميك الكمومي (Quantum Electrodynamics) –وهو العلم الذي يدرس التفاعل بين الضوء والمادة– وبذلك غيّر الطريقة التي كنّا اعتدنا عليها لفهم طبيعة الأمواج والجسيمات.
حصل ريتشارد فاينمان على جائزة نوبل في الفيزياء عن عمله في مجال الالكتروديناميك الكمومي عام 1965. لم يحصل فاينمان على جائزة نوبل نتيجةً لعمله النظري فقط، وإنّما كان هذا العمل الرائع مدعوماً بحزمة من التجارب المُتقنة المتعلقة بظواهرٍ مختلفة في مجال الضوء، والراديو، والكهرباء والمغناطيسية.
لم يحصل فاينمان على جائزة نوبل للفيزياء لوحده، وإنّما شاركه الجائزة كل من العالم جوليان شفاينغر (Julian S. Schwinger) من الولايات المتحدة الأمريكية وتوماناغا (Tomonaga Shin'ichirō) من اليابان، حيث توصل كلُّ واحدٍ منهم –بشكل منفصل- إلى نظرياتٍ مكافئة لنظرية فاينمان في الالكتروديناميك الكوانتي، لكن يعود لفاينمان الفضل الأكبر في برهان وإثبات النظرية.
أبدع فاينمان وبشكلٍ لا نظير له في استخدام أدواتٍ خلاقة لحل مسائل ضمن العديد من مجالات الفيزياء النظرية، بما فيها المخططات البسيطة التي تُعرف بـ "مخططات فاينمان Feynman Diagram"، التي تُمثل التفاعل بين الجسيمات.
يُمكننا القول أنّ فاينمان واحدٌ من بين القليل من الفيزيائيين، إن لم يكن الوحيد، الذين تمكنوا من إبداعِ ادواتٍ للحل بسيطة جداً ولكنها في الوقت نفسه خلاّقة، والغريب في القصة أنَّ الأدوات وأساليب التفكير التي استخدمها فاينمان، على الرغم من بساطة جوهرها، تحل المسألة وتصل إلى نفس الحلول التي تعتمد على أساليبٍ فيزيائية أكثر تعقيدٍ بكثير. وربما نتج هذا الأمر عن إيمانٍ عميق لدى فاينمان يُكرس حقيقة أنَّ الطبيعةَ بسيطةٌ في جوهرها، ويُمكن أن نلاحظ هذا الأمر لدى فيزيائيين آخرين مثل بول ديراك (Paul Dirac)، الذي كان يردد دوما أمام طلابه "حافظوا على جمال معادلاتكم".
- مسيرة الدراسة
درس فاينمان الفيزياء في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا (MIT)، وتناولت أطروحة التخرج الخاصة به في العام 1939، أصول حساب القوى بين الجزيئات. حَصل فاينمان على شهادة الدكتوراه من جامعة برينستون عام 1942 تحت إشراف العالم العظيم جون ويلر (John Archibald Wheeler). طوَّر فاينمان، في إطروحته هذه، طريقةً جديدة في ميكانيكا الكم تعتمد على مبدأ الفعل الأصغري (principle of least action). واستبدلت هذه الطريقة، التي طورَّها فاينمان، النموذج الموجي الذي أسسه ماكسويل (James Clerk Maxwell) بنموذجٍ آخر يَعتمدُ كلياً على التفاعلات بين الجسيمات في المكان والزمان.
في الحقيقة، تعتمد طريقة فاينمان على حساب احتمالات جميع المسارات الممكنة لجسيم عندما يقطع المسافة بين نقطتين؛ فالجسيم، وفقاً لميكانيكا الكم (Quantum Mechanics)، وأثناء انتقاله من نقطة إلى أخرى لا يسلكُ طريقاً واحدة وإنّما عدد لانهائي من الطرق. ربّما شكّل هذا الأمر أحد الدوافع التي دعت نلز بور للقول بأنّ "من قرأ ميكانيك الكم ولم يُصعق فهو حتماً لم يفهم شيء". كما أنَّ فاينمان نفسه قال: "يُمكنني القول وبشكلٍ آمن جداً بأنَّ لا أحد فهم ميكانيك الكم".
- الحرب العالمية الثانية وما بعدها
خلال فترة قصيرة، أصبح فاينمان في لوس الاموس، قائداً لمجموعة قسم الفيزياء النظرية وكان الأصغر عمراً بين أعضاء الفريق. ابتكر فاينمان مع هانس بيث صيغة للتنبؤ بالطاقة التي تؤدي إلى حدوث الانفجار النووي. كان فاينمان أيضاً المسؤول عن عملية النمذجة البدائية للمشروع وذلك باستخدام الآتٍ حاسبة حديثة في ذلك الوقت جنباً إلى جنب مع العمل البشري، وكل ذلك هَدفَ للحصول على كمية كبيرة من الحسابات الرقمية المطلوبة لتنفيذ مشروع مانهاتن.
رَاقب فاينمان الانفجار النووي لأول قنبلة نووية في 16 تموز من عام 1945، بالقرب من Alamogordo في نيومكسيكو. في البداية، اعتقد فاينمان أنَّ التفاعل الأولي كان مذهلاً، لكنه في وقت لاحقٍ شعر بالقلق والحزن الشديد جراء القوة الهائلة التي ساعد هو وزملاؤه في صنعها وتحويلها لوحشٍ أُطلق في الكرة الأرضية وهذا الأمر هو ما دفع الفيزيائي العظيم روبرت اوبنهايمر (Robert Oppenheimer) إلى القول: "تذكرت سطراً من الكتاب الهندوسي، البهاغافاد غيتا: ‘أنا الموت، أصبحتُ مُدمراً للعالم‘".
بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح فاينمان أستاذاً مساعداً في جامعة كورنيل بين العامين 1945 و1950، وعاد لدراسة المفاهيم الأساسية والقضايا المتعلقة بميكانيكا الكم. في السنوات اللاحقة لذلك، عادت نظرته للتفاعلات القائمة بين الجسيمات إلى الواجهة من جديد وأصبحت كشفاً علمياً رائعاً، خصوصاً مع اكتشاف العلماء للجسيمات عند المستوى دون الذري. أصبح فاينمان في عام 1950، بروفيسوراً في الفيزياء النظرية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (CALTECH)، وبقي فيه حتى نهاية عمله المهني.
- خمسة إنجازات غيرت العالم
في عام 1948، أنهى فاينمان إعادة بناء قسم كبير من ميكانيك الكم والالكتروديناميك، بالإضافة إلى ذلك قام بحل مسألة النتائج عديمة المعنى، التي أدَت إليها النظرية القديمة في الالكتروديناميك الكوانتي.
ثانياً، قدَّم فاينمان مخططات بسيطة، سُميت لاحقاً نسبةً له "مخططات فاينمان"، وتُوضح هذه المخططات وبشكلٍ بسيط تخيل تصوري للصيغ الرياضية المعقدة، التي نحتاجها لشرح ووصف الأنظمة المكوّنة من جسيماتٍ تفاعلية. بسّط هذا العمل، والإنجاز العظيم، بعض الحسابات المستخدمة لوصف، مراقبة، والتنبؤ بمثل هذه التفاعلات.
ثالثاً، في بداياتِ العام 1950، قدَّم ريتشارد فاينمان شرحاً يعتمد على ميكانيك الكم لنظرية السيولة الفائقة Superfluidity Theory (أول من عرّفَ بهذه النظرية هو الفيزيائي السوفيتي العظيم لاندو Landau). تَدرسُ هذه النظرية السلوك الغريب، صِفري اللزوجة لسائل الهليوم عند درجة حرارة قريبة من الصفر المطلق.
رابعاً، في عام 1958، ابتكر فاينمان، بالاشتراك مع الفيزيائي الأمريكي غيل مان (Murray Gell-Mann)، نظرية تَختصُ بدراسة الظواهر المرتبطة بالقوة النووية الضعيفة، القوة التي تظهر عند حصول التفكك الإشعاعي.
وأخيرا، في العام 1968، أثناء عمل فاينمان على تجارب التشتت الالكترونات أثناء تصادمها مع البروتونات عند طاقات عالية في المسرع الخطي الموجود في ستانفورد، ابتكر فاينمان نظرية جديدة تسمى "نظرية البارتونParton’s Theory"، حيث تَفترضُ هذه النظرية وجود جسيماتٍ افتراضية في نوى الذرات تُساعد على تماسكها، كانت هذه النظرية العامل الأساسي الذي ساعدنا على الفهم العميق للكواركات Quarks.
- وفاة ريتشارد فاينمان
شارك في المراجعة الصديق ماريو رحال من صفحة الفيزيائيون