صورة أشعة تحت الحمراء لمومياء ذكر معروف باسم رجل جبلين أ - Gebelein man A. لاحظ الوشم على ذراعه اليمنى. حقوق الصورة: Copyright Trustees of the British Museum
اكتشفت عالمة آثار أقدمَ الوشوم في العالم على جسدَي اثنين من المومياءات في مصر تعودان لـ 5000 عامٍ وذلك من خلال متابعة حدسها، حيث كشفت صور تحت الأشعة الحمراء للمومياءات عن وشومٍ لثورٍ بريٍّ (Bos primigenius) وشاةٍ بربريةٍ (Ammotragus lervia) على أعلى ذراع مومياء مُلقب برجل جبلين أ - Gebelein man A. يقول علماء الآثار بأن المومياء الأُخرى، وهي أنثى تُدعى امرأة جبلي Gebelein woman (جبلين اسم المنطقة التي اكتشفت فيها المومياءات) لديها وشومٌ طوليةٌ ووشومٌ ذات شكل S على أعلى ذراعها وكتفها، وتُعدّ هذه العلامات من أقدم الوشوم التي عُثِر عليها على جسد امرأةٍ على الإطلاق.
تقول الباحثة الرائدة رينيه فريدمان Renee Friedman، مديرة بعثة هيراكونبوليس Hierakonpolis Expedition بإشراف متحف أشموليان التابع لجامعة أوكسفورد في المملكة المتحدة، لموقع Live Science عبر رسالة بريد إلكتروني: "على الرغم من ميلنا إلى الاعتقاد بأن عصور ما قبل التاريخ (عصور ما قبل الكتابة) كانت بدائيةً وبسيطةً، فمن الواضح أن هذا العصر كان متقدمًا ولا بدّ أن الناس كانوا يبدون رائعين".
انتاب فريدمان حدسها هذا بعد أن اكتشفت مع زملائها مقبرةً نوبيةً في مدينة هيراكونبوليس في الصعيد تعود إلى أوائل المملكة الوسطى أو نحو 2000 قبل الميلاد. ووجد علماء الآثار أن لدى ثلاث نساءٍ قديماتٍ مدفوناتٍ في المقبرة وشومًا كثيرةً، وخاصةً على بطونهن. وكانت وشوم إحدى النساء واضحةً للعين المجردة وظهرت وشوم الأخريات بالتصوير بالأشعة تحت الحمراء.
تقول فريدمان: "كان هذا عبارةً عن كشفٍ لأننا حقًا لم نرَ الوشوم على المرأتين الأُخريين من دون كاميرا الأشعة تحت الحمراء، مما أعطاني الفكرة بأن العديد من الوشوم قد تكون غير مُكتشفةٍ ومن الوارد أن هذا التقليد يعود إلى أبعد بكثيرٍ من زمن المملكة الوسطى".
في ذلك الوقت، كانت فريدمان مشرفة البحوث في مجموعة عصر ما قبل الأسرات predynastic period في المتحف البريطاني، لذلك "قررت تجربة كاميرتها على مومياءات عصر ما قبل الأسرات المحفوظة جيدًا المتواجدة هناك"، التي كانت ذات جلد جيد الحفظ ولم تكن مُخبأةً في أغلفة المومياء، كما تقول.
قامت بتحليل سبع مومياءاتٍ ووجدت على اثنين منهم وشومًا وهما مومياء رجل جبلين أ، ومومياء امرأة جبلين المحنطتين طبيعيًا، التين تعودان إلى عامَي 3351 و3017 قبل الميلاد. وتقول فريدمان: "يُشير هذا الاكتشاف إلى أن عملية الوشم في إفريقيا أكثر قِدمًا بألف عامٍ".
الوشوم السوداء
تعود كِلا المومياءتين إلى فترة عصر ما قبل الأسرات، قبل توحيد البلد على يد الفرعون الأول عام 3100 قبل الميلاد. هذا وقد نبش علماء الآثار مومياء رجل جبلين أ منذ ما يقارب 100 سنةٍ، وكما قال العلماء كانت معروضةً بشكلٍ دائمٍ تقريبًا منذ ذلك الحين. ووفقًا للباحثين، توفي رجل جبلين أ عندما كان شابًا جراء طعنةٍ في ظهره، وفقًا لمسح تصويرٍ مقطعيٍّ سابقٍ (ct).
يقول الباحثون بأن تحليل الصور بالأشعة تحت الحمراء يُظهر أن اللطخات السوداء على ذراعيه عبارةٌ عن وشومٍ مُتداخلةٍ لحيوانين مُقرنيّن (على الأرجح ثور بري ذو قرون طويلة وذيل طويل، وشاة بربرية ذات قرون مقوسة وأكتاف مُحدّبة) وهذه الوشوم ليست سطحيةً أيضًا. أيًّا كان من صنعهم فقد وضع صباغًا ذا بنيةٍ كربونيةٍ (على الأرجح سخام) يصل إلى طبقة الأدمة العميقة من الجلد.
وفقاً لفريدمان، ليس واضحًا ما تعنيه هذه الوشوم، ولكن ربما كانت رموزًا للقوة أو حتى علامات صيدٍ ناجحٍ أو ربما صورًا واقيةً أو حاميةً (تحمي الشخص من السوء والأذى). وتقول فريدمان: "في المقابل، لم تظهر وشوم امرأة جبلين أيّ حيواناتٍ بل سلسةً من أربعة وشومٍ تحمل شكل S تمتد على كتفها الأيمن ويوجد تحت هذه العلامات رسمٌ طوليٌّ مشابهٌ لأشياء خاصةٍ بالطقوس الاحتفالية محمولةً على أشكالٍ مرسومةٍ على الخزف من تلك الفترة. ووفقًا للباحثين، يُمثل هذا الخط عصاً ملتويةً، دليل القوة والمكانة أو عصا رمي أو عصاً تُستخدم في رقصٍ شعائريٍّ.
وفقًا للباحثين، كان من السهل رؤية وشوم المرأة عندما كانت على قيد الحياة ولربما دلت هذه الوشوم إلى مكانتها وشجاعتها أو ربما بصيرتها السحرية.
عاصرت كلا المومياءتين تقريبًا أوتزي Otzi (مومياء عصر الجليد) البالغة من العمر 3500 عامٍ والتي عُثِر عليها في جبال الألب الإيطالية عام 1991. ولدى أوتزي 61 وشمًا هندسيًا على جسده، وفقًا لما ذكرته مجلة Live science لعام 2015. وقد افترض بعض الباحثين أن لوشوم أوتزي أغراضً طبيةً حيث وُضِعت في أماكن الوخز الإبري. ومع ذلك، تقول فريدمان: "على عكس أوتزي لا يوجد أيّ مؤشرٍ على أن للوشم المصري أغراضًا طبيةً".
عدّة الوشم
كما اكتشف الباحثون مجموعة أدواتٍ قديمةٍ تعود إلى نفس فترة رجل جبلين أ وامرأة جبلين، وتقول فريدمان بأن المجموعة التي اُكتشفت في قبرٍ يعود إلى عصر ما قبل الأسرات، دُفنت مع امرأةٍ مُسنةٍ يتراوح عمرها بين 40 و50 عامًا. وتضمنت المجموعة لوحة ألوان على شكل طائرٍ تُستخدم على الأرجح لطحن خامات مُستحضرات التجميل، كالمغرة، مع الحصى المدورة ووجدت كلها في سلةٍ وذلك حسبما كتبت فريدمان في مجلة "Ancient Ink: The Archaeology of Tattooing" التابعة لجامعة واشنطن بريس (University of Washington Press, 2017). وتقول أيضًا إن السلة تحتوي على مثقابٍ عظميٍّ من الممكن أن يكون قد استُخدم للوشم.
كتب الباحثون في دراسةٍ جديدةٍ: "يُشير وجود المثقاب كجزءٍ من مجموعةٍ تتضمن أصباغ وراتينجات وتمائم وبخور في قبر امرأةٍ مسنةٍ في هيراكونبوليس إلى أن الوشم كان يجري على أيدي مُتخصصين ترافقه مختلف الطقوس والاحتفالات".
نُشرت النتائج على الإنترنت في Journal of Archaeological Science.