أبعد جُرم تم استكشافه على الإطلاق يلقي الضوء على كيفية تكوين الكواكب

صورة التقطها مسبار نيو هورايزونز لجرم أروكوث الموجود في حزام كايبر. حقوق الصورة: NASA


توضح لنا صخرة صغيرة في أبعد مكان في النظام الشمسي كيف بدأ تكون الكواكب الكبيرة. أروكوث- يلقي أبعد جُرم تمت زيارته بواسطة مركبة فضائية بشرية-بأسراره في ثلاثة بحوث جديدة.

 

بإمكان تلك النتائج حسم بعض النقاشات حول كيفية تكون الكواكب المصغرة- البذور الصخرية الصغيرة التي تنمو لتصبح كواكب-وقد اتضح لنا أن تلك العملية أكثر هدوءًا مما توقعنا في السابق.

 

قال آلان ستيرن Alan Stern من معهد ساوث وست للأبحاث في كولورادو "يُعد أروكوث من أكثر الأجسام التي تم استكشافها بواسطة مركبة فضائية بعدًا والأكثر بدائية، لذلك نحن نعلم أن لديه قصة فريدة سيتلوها علينا. سيعلمنا كيف تكونت الكواكب المصغرة، ونحن نعتقد أن النتيجة تمثل علامة تقدم كبير في فهمنا المجمل لكيفية نشأة الكواكب المصغرة والكواكب بشكل عام."

 

جرى زيارة أروكوث، المعروف سابقًا بأسم (486958) 2014 MU69  أو بإسم ألتيما ثول، من قِبل مسبار نيو هورايزونز في يوم رأس السنة من عام 2019، حيث أنه يتواجد في حزام كايبر. يقع على مسافة مذهلة من الشمس تبلغ 6.7 مليار كيلو متر (4.1 مليار ميل)، وفترة مدارية تبلغ 293 عامًا، إذ يُعد أروكوث أبعد الأجسام المنفردة التي تمكنا من تحديدها في النظام الشمسي.

 

لكننا لم نرسل مسبار نيو هورايزونز ليتفحصه- بعد تحليقه التاريخي بالقرب من بلوتو في يوليو/تموز 2015- لمجرد أنه كان بإستطاعتنا ذلك. بعيدًا عن أشعة الشمس القاسية وفي مدار مستقر، يعد أروكوث إلى حد كبير كبسولة زمنية تحمل في طياتها الأحداث منذ أن تشكل النظام الشمسي قبل 4.6 مليارات عام.

 

في مايو/أيار العام الماضي، نُشرت أول مجموعة من البحوث التي تضمنت النتائج البحثية لتلك الرحلة بالتفصيل استنادًا على 10% فقط من البيانات التي كان يرسلها مسبار نيوهورايزونز إلى الأرض.

 

وجدت فرق مختلفة من العلماء أن أروكوث كان واحدا من الأجرام الثنائية في يوم ما ومن ثم تلاصق نصفاه معًا  بالرغم من أن تفاصيل تلك العملية لم تتضح لنا بعد؛ كما أن سطحه مغطى بالفوهات بدرجة قليلة، ومائل للحمرة، والسبب وراء لونه غير واضح إطلاقا.

 

والآن، وبعد تحليل كمية بيانات مقدارها 10 أضعاف تلك التي تم استخدامها في البحوث الأولية، تمكنا من الإجابة على بعض تلك الأسئلة حول عملية تشكل الكواكب.

 

اكتشف أول بحث من أصل ثلاثة بحوث كتبها الباحث ويليام ماكينون William McKinnon وزملاؤه من جامعة واشنطن في يانت لويسمن لتحليل بيانات مسبار نيو هورايزونز، أن الجسمين المتواجدين في أروكوث قد تكوّنا بالقرب من بعضهما البعض.

 

بشكل عام، يوجد هناك نظريتان تتنافسان لشرح كيفية تكوّن الكواكب.

 

وفقًا للنموذج الهرمي التراكمي طويل الأمد لتكوّن الكواكب، تتشكل الكتل البنائية المكونة للكواكب عندما تتصادم أجزاء من السديم الشمسي– سحابة الغاز والبخار التي كونت الشمس والكواكب- مع بعضها البعض بعنف.

 

من ناحية أخرى، يشير نموذج تراكم الحصى إلى أن العناصر التي تقبع في نفس المنطقة تتجمع مع بعضها البعض تدريجيًا وبلطف لتكوّن أجسام ثنائية.

 

تدعم أحدث البيانات الصادرة عن أروكوث النظرية الأخيرة.

 

قال العلماء بأنه إذا تكون أوروكوث بالفعل من أجزاء تتجمع معًا من أجزاء مختلفة للسديم، فسوف تظهر أدلة أكثر عن التأثيرات الناتجة.

 

وفقًا لما كتبه الفريق في البحث: "لا يوجد أي دليل على تطور تصادمي عالي السرعة متمركز حول الشمس، أو أي تأثير كارثي أو شبه كارثي خلال فترة حياته...بدلًا من ذلك، لقد استنتجنا أن الجزئين اندمجا على سرعات منخفضة، لا تزيد عن بضعة أمتار في الثانية وربما أبطأ."

 

وهذا يشير إلى أن جزئيه قد تكونا في نفس الجزء من السديم الشمسي.

 

قال ماكينون: "لا يبدو أروكوث على شكله الحالي لأنه نتج عن تصادمات عنيفة، بل بسبب رقصة معقدة بدلاً من ذلك، تدور عناصرها خلالها ببطء حول بعضها البعض قبل أن تلتصق معاً."

 

دعم البحث الثاني هذا الأمر، وهو الذي نُشر من قِبل عالم الفلك جون سبنسر John Spencer وزملائه من معهد ساوثويست للأبحاث حيث يقومون بدراسة سطح أروكوث. فقد أكدوا أن السطح كان سلسًا ويمتلك عدداً قليلاً من الفوهات. يعد هذا اختلافاً كبيراً عن الأجسام الأخرى في نظامنا الشمسي.

 

وأكدوا أيضًا أن أروكوث لا يحتوي على أية حلقات أو أقمار تابعة أكبر من 180 متر على مسافة 8000 كيلومتر حوله، ولا يتمتع بغلاف جوي، أو أية انبعاثات لغازات أو غبار، والتي كان سيعد وجودها دليلاً على إضطرابات حدثت حديثًا. يدل هذا على أن أروكوث جسم هادئ لم تحدث به أية تطورات منذ فترة طويلة جداً.

 

لكنهم درسوا أيضًا سطحه وفوهاته عن كثب، واستنتجوا أن عمر سطحه يبلغ حوالي 4 مليارات عام، أي ما يقرب من عمر النظام الشمسي نفسه.

 

ووفقًا لما جاء في بحثهم: "من الممكن أن تتطور الحركة الدورانية لأروكوث ببطء شديد، ولا يوجد أي أدلة على وجود تصادمات أدت لاهتزازات فعالة في باطنه، ومن المحتمل أيضًا أن من شأن مسامية أروكوث العالية أن تقلل من فعالية الزلازل وتحد من انتشارها."

 

"بشكل عام، وبالرغم من ندرة الفوهات على سطحه، فإن كثافة الفوهات التي تمت ملاحظتها تتسق مع عمرها الذي يبلغ أكثر من 4 مليارات عام تقريباً. وبالتالي يعود عمر السطح المرئي بشكل معقول عند تحليله بالتصوير الاستطلاعي طويل المدى (LORRI) إلى تاريخ نهاية فترة تراكم النظام الشمسي."

 

أخيرًا في البحث الثالث، درس عالم الفلك ويل جراندي Will Grundy وزملاؤه من مرصد لويل اللون المحمر الغريب لأروكوث. يمكن العثور على المواد الأكثر أحمرارًا التي توجد بشكل طبيعي في نظامنا الشمسي- والتي تسمى المادة الفوق الحمراء-في منطقة حزام كايبر، إذ تحيط هذه المواد   بسطح أروكوث، ولكن طبيعة هذه المواد غير واضحة تماماً.

 

وجد الفريق أن أروكوث بارد وأحمر بشكل موحد تقريبًا، ومغطى بجليد الميثانول، وجزيئات معقدة لم يتمكن العلماء من تحديدها تماماً بالاعتماد على البيانات الطيفية المحدودة المقدمة من مسبار نيوهورايزونز. من المرجح أن تلك الجزيئات هي التي أنتجت اللون الأحمر.

 

هذا غير كاف لتأكيد كون تلك الجزيئات العضوية هي مصدر المادة فوق الحمراء؛ يدعم اللون الموحد لأروكوث- وكذلك عمر السطح كما وجد فريق سبنسر-النتائج التي ترجح أن أروكوث قد تكوّن في منطقة محدودة للغاية. 

 

قال جراندي: "لدى أروكوث صفات فيزيائية تدل على أنه جسم تجمع ببطء بواسطة مواد محلية من سحابة الغاز والغبار في السديم الشمسي. لن يتكون أو يظهر جسم مثل أروكوث بالطريقة التي ظهر بها إذا تكون في بيئة تتراكم بها الأجسام بشكل فوضوي عنيف."

 

أضاف ستيرن: "تشير كل الأدلة التي وجدناها إلى نماذج انهيار جسيمات السحابة، وتستبعد النموذج الهرمي التراكمي في تكوين شكل أروكوث، بالاستدلال، ينطبق ذلك على الكواكب المصغرة الأخرى."

 

ربما لم تتبقى الكثير من البيانات التي سيرسلها مسبار نيوهورايزونز إلى الأرض عن أروكوث، لذلك فإن أية بيانات مستقبلية يجب أن تستند إلى ما لدينا بالفعل. ولكن يبدو أن لدى هذه الأجسام الكامنة في حزام كايبر الكثير لتعلمنا إياه بالفعل.

 

 من الضروري اقتراح إرسال مركبة مدارية هناك لتعلم المزيد.

 

قال ماكينون في الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية للتقدم العلمي الشهر الماضي، وفقًا لتقارير صحيفة The Guardian: "لقد تبين أن أروكوث أصبح مدهشاً نتيجة لما تعلمناه. إنه يخبرنا ببعض الحقائق العميقة حول نظامنا الشمسي. إنه ليس مجرد حبة بطاطا فضائية، إنه عالم رائع قص علينا قصة رائعة."


 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات