المملكة المتحدة ترغب حقاً في بناء موانٍ فضائية تجارية. فهل ستشهدُ أي عمليات إطلاق لصواريخ في 2022؟

طائرة فيرجن أوربت من طراز Boeing 747 Cosmic Girl فوق ساحل كورنوال كما يتصورها فنان. حقوق الصورة: Spaceport Cornwall.
 

إن برنامج الفضاء البريطاني يكتسب زخماً فمَن سيصلُ إلى خط النهاية؟

ستبدأ المملكة المتحدة بإصدار تراخيص للرحلات الفضائية هذا الصيف مُمهِدةً الطريق لإطلاق أول الصواريخ من أراضٍ بريطانية العام القادم.

الموانئ الفضائية البريطانية الطَموحة وصُنّاع الصواريخ يتمنون أن يكونوا أول من يوصل أقمار صناعية إلى المدار من الأراضي الأوروبية لكن كم منهم سيستطيع الاستمرار؟

يضع برلمان المملكة المتحدة قوانين ستسمحُ لهيئة الطيران المدني في المملكة بالبدء بإصدار تراخيص للموانئ الفضائية بالإضافة لعمال الصواريخ والأقمار الصناعية مع نهاية شهر آب/أغسطس. كانت المملكة المتحدة -والتي غادرت الاتحاد الأوروبي في 31 كانون الثاني/يناير عام 2020- تشجعٌ الأطراف التجارية الفاعلة على تطوير إمكانيات الرحلات الفضائية على أرضها منذ عام 2014 وكانت تهدف في البداية لإطلاق أولى الرحلات في 2020 حيث أنها أطلقت بشكل رسمي برنامجها الفضائي التجاري المسمى LaunchUK عام 2017.

"هذه لحظة مهمة لطموحاتنا في الرحلات الفضائية" يقول غرانت شابس Grant Shapps وزير النقل في المملكة المتحدة في كلمة ألقاها يوم الإثنين (24 أيار/مايو). حيث أضاف: "من الواضح أننا أردنا أن نكون أول بلد يطلق رحلات إلى المدار من أوروبا منذ أن بدأنا برنامج الرحلات الفضائية عام 2017 وإن وضع هذه القوانين يضعنا على المسار الصحيح لنرى أولى عمليات الإطلاق للرحلات الفضائية للمملكة المتحدة في عام 2022".

قدمت الحكومة البريطانية سابقاً -عن طريق وكالة الفضاء البريطانية- التمويل لثلاثة موانٍ فضائية مُرتقبَة بالإضافة لشركائهم في صناعة الصواريخ. الموانئ الثلاثة ما تزال في مرحلة التحضير مع كميات مختلفة من العمل في طريقها قبل أن تبدأ أول عد تنازلي.


ميناء كورنوال Cornwall الفضائي مستعد للبدء


بشواطئها الرملية وسفوحها الوعرة وطقسها المشمس (بالنسبة للمملكة المتحدة على أي حال) كانت قرية صيد السمك السابقة في نيوكواي Newquay في كورنوال (أقصى جنوب الأراضي البريطانية) وجهة سياحية جذّابة لعقود من الزمن. قريباً قد تضيف عامل جذب آخر، فمن المتوقع أن يَستضيفَ مطار نيوكواي الواقع على بُعد مئات الأمتار فقط عن ساحل المحيط الأطلسي، عمليات إطلاق لشركة فيرجن أوربت Virgin Orbit بشكل منتظم مع بداية عام 2022.

تقول ميليسا ثروب Melissa Thrope رئيسة ميناء كورنوال الفضائي -قسم الفضاء المٌستجد في المطار- أن كل شيء جاهز في نيوكواي وفي انتظار تطبيق الترخيص واستكمال الحملة التجريبية لشركة فيرجن أوربت في الولايات المتحدة.

"التشريع الذي سيصل إلى البرلمان، بالإضافة لعملية الترخيص التي ستليه هي ببساطة آخر خطوة في طريقنا لأول عملية إطلاق مطلع العام القادم" قالت ثروب، وأضافت: "نحن نقوم ببعض التحسينات لموقع الإطلاق، فقط ليصبح أكثر كفاءة بقليل. فقد وفرنا البنية التحتية لتجهيز الصاروخ وتزويده بالوقود، وحالياً نقوم ببناء منشأة لإدماج الأقمار الصناعية، وهي المكان الذي تدمج فيه الأقمار الصناعية مع الصاروخ".

تقول ثروب أن ميناء كورنوال الفضائي يطمحُ ليكون الميناء الأفقي الوحيد في المملكة المتحدة (حيث تقلع وتهبط طائرات حاملة للصواريخ كطائرة فيرجن أوربت من طراز Boeing 747 Cosmic Girl)، وأن يشهد ما يصل إلى خمس عمليات إطلاق سنوياً عندما يصبح كلُ شيء جاهزاً.

تُخططُ شركة فيرجن أوربت -والتي أَطلقَت بنجاح 10 أقمار صناعية مُصغرة من نوع كيوب سات cube sat في رحلتها التجريبية في كانون الثاني/يناير- أن تجري عمليات الإطلاق من عدة مطارات حول العالم مما يوفرٌ مرونة في خدمات الإطلاق لزبائنها. واستخدام الشركة للطائرات التقليدية في المرحلة الأولى من الإطلاق يسمحُ بالإقلاع من معظم المطارات التقليدية.

"ما نزالُ متحمسين جداً للإطلاق من كورنوال قريباً حيث إننا نهدفُ للقيام بعملية إطلاق من ميناء كورنوال الفضائي العام القادم" يقول أحد المتحدثين باسم شركة فيرجن أوربت.

من المتوقع أن تَجرِي الشركة الإطلاق التجريبي القادم في شهر حزيران/يونيو، حاملةً فيه أقمار صناعية صغيرة لوزارة الدفاع الأمريكية وسلاح الجو الملكي الهولندي. كما أضافت الشركة مركز إطلاق ألكانتارا في البرازيل إلى قائمة مواقع الإطلاق المستقبلية.

يتطلع ميناء كورنوال لاستقبال شركة فيرجن أوربت العام القادم. حقوق الصورة: Spaceport Cornwall.
يتطلع ميناء كورنوال لاستقبال شركة فيرجن أوربت العام القادم. حقوق الصورة: Spaceport Cornwall.


ميناء ساذرلاند الفضائي Space Hub Sutherland يواجهُ تحدياً قانونياً


بعكس ميناء كورنوال الفضائي، ما يزال أمام ميناء ساذرلاند الفضائي بعض العقبات ليتجاوزها حيث إن موقع الإطلاق العمودي في ساذرلاند (لإطلاق الصواريخ من وضعية قائمة كصاروخ فالكون 9 لشركة سبيس إكس أو الصاروخ الأوروبي أريان 5) يُفترضُ بناؤه في (براري) شبه جزيرة موين Moine أقصى شمال أسكتلندا. حصل الميناء الفضائي الذي طورته شركة المرتفعات والجزر Highlands and Islands Enterprise (HIE) -هيئة التنمية الحكومية المسؤولة عن هذا الجزء من أسكتلندا- على ترخيص التخطيط في آب/أغسطس 2020. إلا أن المشروع قد واجه تحدٍ من قبل أكبر مالكي الأراضي في أسكتلندا (وأغنى رجالها) أنديرس بوفلسن Anders Povlsen، والذي يملكُ المقاطعة المجاورة. منذ ذلك الحين استثمر بوفلسن الذي يستشهد بالمخاوف البيئية كسبب لاعتراضاته، في مشروع منافس وهو مركز شيتلاند Shetland الفضائي، الذي يقع في جزر شيتلاند بين شمال اسكتلندا والنرويج.

أثارَ هذا التحرك موجة واسعة من السخرية، حيث إن المخاوف حول حماية البيئة والحياة البرية المٌتعلقة بمركز شيتلاند الفضائي أكثر منها في حالة ميناء ساذرلاند الفضائي. كما أن مركز شيتلاند لم يحصل على ترخيص التخطيط بعد وستقرر المحكمة مدى صحة مخاوف بوفلسن الشهر القادم، كما قالت شركة المرتفعات والجزر (HIE) في تصريح لها.

وفي غضون ذلك، بدأت فحوصات دقيقة في مقاطعة ميلنيس للمزارعين Metness Crofters Estate البالغة مساحتها 10.4 فداناً (4.2 هكتاراً) حيث سيُوضعُ ميناء ساذرلاند، تقول الشركة. يفحصُ الخبراء حالياً التربة والقواعد الصخرية في الموقع، والذي نأملُ أن يشهدَ ما يصلُ إلى 12 إطلاق سنوياً في المستقبل. سيوفرُ هذا الاستطلاع المعلومات لإنشاء طرق المواصلات وبنى تحتية أخرى كمركز التحكم ومنصة الإطلاق، قالت الشركة في تصريح لها.

الشريك الأساسي لميناء ساذرلاند الفضائي هي شركة أوربكس Orbex المحلية لتصنيع الصواريخ، والتي يقعُ مقرها في فوريس Forres وهي بلدة صغيرة تَبعدُ حوالي 120 ميل (200 كيلومتر) عن الميناء. قالت الشركة -والتي كشفت عن النموذج الأولي لصاروخها الصديق للبيئة المسمى برايم Prime منذ سنتين- أنها في طريقها للبدء بعمليات الإطلاق العام القادم بافتراض زوال العقبات القانونية.

رسم توضيحي لميناء الفضاء في ساذرلاند، أسكتلندا، والذي سيستخدمُ لإطلاق الصواريخ بشكل قائم. حقوق الصورة: Perfect Circle PV.
رسم توضيحي لميناء الفضاء في ساذرلاند، أسكتلندا، والذي سيستخدمُ لإطلاق الصواريخ بشكل قائم. حقوق الصورة: Perfect Circle PV.


مركز شيتلاند الفضائي يواجه تحدياً


قدم مركز شيتلاند الفضائي طلب التخطيط في كانون الثاني/يناير ومازال بانتظار اتخاذ القرار من قبل مجلس جزر شيتلاند Shetland Islands Council، وهي السلطة المحلية الحاكمة للجزر.

يعتزمُ ميناء الفضاء تشغيل ثلاث منصات إطلاق في نهاية المطاف بالإضافة إلى أنه جذب انتباه شركة لوكهيد مارتن Lockheed Martin -شريكة ميناء ساذرلاند الفضائي سابقاً- لتنتقلَ إلى قاعدة شيتلاند الأبعد.

حيث يقع الميناء في جزيرة أونست Unst على بعد 200 ميل (320 كيلومتر) شمال ميناء ساذرلاند في شبه جزيرة موين. كما تعد جزيرة أونست مركزاً لمحطة رادار عسكرية لسلاح الجو الملكي البريطاني حيث تقع الجزيرة أقصى شمال الأراضي البريطانية.

وعلى الرغم من عدم الحصول على ترخيص لإنشاء ميناء الفضاء إلا أن قاعدة شيتلاند توفرُ منشئات لصُنّاع الصواريخ الأوربيين لاختبار تقنياتهم حيث أكملت شركة هيلمبلس الألمانية للتكنولوجيا -التي تطور صاروخاً مُصغراً يحتوي على محرك يعملُ بواسطة البارافين (الشمع بشكل أساسي) والأكسجين السائل- سلسلة من اختبارات المحركات في الجزيرة، وتأمل الشركة أن تبدأ بإطلاق رحلاتها المدارية بانتظام من جزيرة أونست في 2023.

تلقى مركز شيتلاند الفضائي في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2020 ما وُصِفَ كاستثمار صغير مهم من شركة Wild Ventures Limited لأندريس بوفلسن، الذي اعترض على ميناء ساذرلاند الفضائي.

وعلى الرغم من ذلك أعربت هيئة حماية الطبيعة الأسكتلندية Nature Scot عن مخاوفها من زعزعة ميناء شيتلاند الفضائي لمَواطِن بعض الطيور المحمية وأصرَت على الحد من عمليات الإطلاق خلال فصل التكاثر كما أفادت وسائل الإعلام المحلية في آذار/مارس من هذا العام.

وعقب ذلك رَفضَت هيئةُ أسكتلندا للبيئة التاريخية -وهي هيئة عامة مسؤولة عن حماية التراث الوطني الأسكتلندي- خِططَ ميناء الفضاء حيث صرحت أنها ستضرُ بمحطة رادار سكاو Skaw التاريخية التي تُعتبرُ صرحاً وطنياً مُهماً من الحرب العالمية الثانية.

تختبرُ شركة هيلمبلس الألمانية لصناعة الصواريخ محركها الصاروخي الجديد في مركز شيتلاند الفضائي. حقوق الصورة: Shetland Space Centre.
تختبرُ شركة هيلمبلس الألمانية لصناعة الصواريخ محركها الصاروخي الجديد في مركز شيتلاند الفضائي. حقوق الصورة: Shetland Space Centre.


الحصان الأسود Black Arrow


بينما تتجهُ أنظارُ مُعظم هُواة الفضاء البريطانيين إلى ميناء كورنوال ومنافسه الأسكتلندي تعمل شركة بلاك أرو لتكنولوجيا الفضاء Black Arrow Space Technologies بصمت على خططِها لإطلاق صواريخ من ناقلة بحرية ضخمة معدلة قبالة سواحل ويلز. تستهدفُ الشركة -والتي يقودها الخبير الصناعي بول ويليامز Paul Williams- موعداً متأخراً عن الشركتين الأُخريين لبدء عملياتها وتتوقع تجربة أول عملية إطلاق في 2023. وتأمل الشركة -الواقع مقرها في بورت تالبوت Port Talbot في ويلز- أن تُقدمَ خدمة متنقلة لإطلاق الأقمار الصناعية يمكن أخذها إلى أي مكان في العالم، بمبدأ مشابه لشركة فيرجن أوربت لكن دون الحاجة لميناء فضاء. "نحن نحول ناقلة بحرية بطول 200 متر ووزنها 35 ألف طن لاستخدامها كمنصة للإطلاق" يقول ويليامز، ويُعقبُ قائلاً: "كما أنها ستحتضن منشآتنا وغرفنا النظيفة التي سنجهز فيها صاروخ الإطلاق".

تقوم الشركة بتطوير صاروخ قادر على إطلاق 500 كيلوغرام من الحمولة إلى مدار الأرض المُنخفِض لكنها ترغب برفع مستوى الصاروخ ليصبح قادراً على حمل 5 أطنان، وهذا يفوق ما نتوقع أن يقدمه المنافسون البريطانيون وفقاً لويليامز.

سيكون الصاروخ -والذي سيُكشفُ عن محركه لاحقاً هذا العام- قابلاً لإعادة الاستخدام بالكامل وسيعملُ بوقود صديق للبيئة.

"الرسالة هي أننا سنكون أول مزود إطلاق لا يسبب تلوثاً بالكربون في العالم" يقول ويليامز، ويضيفُ: "نحن لا نستخدم وقوداً ملوثاً، ولا نصنع التجهيزات من المعدن الذي ينتهي إما في البحر أو الطبقات العليا من الغلاف الجوي، بالإضافة إلى أننا لا نحفر الأجزاء المحمية من أسكتلندا. كل ما نقوم به يهدفُ إلى أن يكون خالياً من التلوث".

تخطط الشركة للاستفادة من أربعةَ عشرَ إقليماً من أقاليمِ ما وراء البحار البريطانية والتي من ضمنها برمودا Bermuda جزر فالكلاند Falkland وسانتا هيلينا Santa Helena والتي ستكون خاضعة لنفس نظام الترخيص الذي يَجرِي إعداده حالياً من قبل برلمان المملكة المتحدة. يتوقع ويليامز أن دول الكومنولث الصديقة -الرابطة السياسية للمستعمرات البريطانية السابقة- قد تكون مهتمة بالإطلاق من مياهها أيضاً.

"لدينا سنغافورة وموريشيوس وكينيا. لدينا كل هذه الدول جاهزة، وعلى استعداد لأن تمتلك القدرة على إطلاق الصواريخ على عتبة بابها" يقول ويليامز، ويضيفُ: "وهذا منطقي جداً".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات