أدلّة جديدة حول غموض سبين (اللف الذاتي) البروتون

أدلّة جديدة حول غموض سبين (اللف الذاتي) البروتون

 

لطالما افترض الفيزيائيون أن غزل (سبين) البروتون يأتي من الكواركات الثلاث المكونة له، أما الآن فتقترح نتائج قياسات جديدة أنّ هناك جسيمات تُسمى غلوونات (gluons) لها مُساهمة واضحة.

تتحرك البروتونات حركة مغزلية ثابتة وتعتبر هذه الحركة خاصية جوهرية للبروتون تماماً مثل الكتلة والشحنة، لكن مصدر هذه الحركة لايزال أحجية، و تُسمى هذه الأحجية بـ "أزمة غزل البروتون".

 

في البداية اعتقد الفيزيائيون أنّ دوران البروتون هو عبارة عن مجموع دورانات الكوركات الثلاثة المكونة له، ولكن أظهرت نتائج تجربة أُجريت في عام 1987 أنّ مجموع حركة الكواركات تُساهم بمقدار بسيط في الحركة المغزلية للبروتون، مما يثير التساؤل عن مصدر بقية الحركة. ترتبط الكوراكات معاً داخل البرروتون عن طريق الغلوونات، وبالتّالي اقترح العلماء إمكانية مساهمتها في الدوران.

الآن، دُعمت هذه الفكرة من قبل دراستين قامتا بتحليل نتائج تصادم البروتون داخل مصادم الأيّونات الثقيلة النسبي ((Relativistic Heavy-Ion Collider (RHIC) في مختبر بروكهايفن الوطني في أبتون-نيويورك.

 

يُفسر الفيزيائيون أن السبين عبارة عن دوران الجسيم، ولكن هذا الوصف تشبيهي أكثر من أن يكون حرفي. في الحقيقة، السبين عبارة عن كمية كمومية لا يمكن وصفها بعبارات كلاسيكية. تماماً مثل أنّ البروتون ليس فعليا عبارة عن كرة زجاجية صغيرة بل خليط من الجزيئات الشبحية التي تظهر وتختفي بشكل مستمر، فإنّ دورانه عبارة عن خاصية إحتمالية معقدة، ولكنه دائما مُساوي لـ 0.5.

 

الكواركات أيضا لديها سبين بمقدار 0.5، وفي البداية، افترض الفيزيائيون أنّ إثنان من الكواركات يدوران بإتجاه معاكس، وبالتالي يلغيان تأثير بعضهما البعض، ويتبقى لدينا نصف الدوران الذي يكون سبين البروتون الكلي. "لقد كانت تلك الفكرة السّاذجة قبل 25 عاماً"، وذلك حسب قول دانيل دي-فلوريان (Daniel de Florian) من جامعة بوينوس آيرس وقائد إحدى الدراستين الحديثتين، والتي تمّ نشرها في 2 يوليو في Physical Review Letters.

 

ويُضيف دانيال:"في نهاية الثمانينيات كان من الممكن قياس مساهمة سبين الكواركات في سبين البروتون، وأظهرت أولى القياسات أنّ هذه المساهمة تساوي 0%. لقد كانت مفاجأة كبيرة". ولكن أظهرت قياسات لاحقة أنّ الكواركات تساهم فعليا بنسبة 25% من سبين البروتون الكلي/ ولكن لاتزال نسبة كبيرة من حركة البروتون مجهولة المصدر.

 

تُمثل الغلوونات الموجودة داخل البروتونات قوة نووية قوية وتفاعل أساسي يربط الكواركات معاً. يمتلك كل غلوون غزل بمقدار 1، وبالإعتماد على اتجاه هذا السبين، من الممكن أن تتجمع لتكون معظم ما تبقى من غزل البروتون. إنّ قياس مدى مساهمتهم تعتبر مهمة صعبة، والتجربة في RHIC هي الوحيدة التي تستطيع الإجابة عن هذا السؤال، لأنّه مسرّع الجسيمات الوحيد الذي بُني ليُصادم بروتونات "ذات سبين مُستقطب"، بمعنى أن كل الجسيمات تدور باتجاه معين عند التصادم. (في مصادم الهادرونات الكبير الأكثر قوة يكون سبين الجسيمات غير مصطف).

 

عند تصادم بروتونين معاً، فإن تفاعلهم يتم التحكم به عن طريق قوة قوية، وبالتالي فإن الغلوونات تتدخل في هذا التفاعل بشكل كبير. إذا كان سبين الغلوونات عامل مهم في تحديد سبين البروتون، بالتالي فإن اتجاه سبين البروتونات المتصادمة يجب أن يؤثر على النتيجة ،وسوف يتوقع العلماء أنّ التصادمات بين برتونيين لهما نفس اتجاه السبين ستحدث ضمن تردّد يختلف عن ذلك الناتج من تصادم يختلف فيه اتجاه السبين. وبالاعتماد على بيانات حديثة من RHIC، هناك فعلاً اختلاف.

 

يقول الفيزيائي خوان روخو (Juan Rojo) من جامعة أكوسفورد وعضو في تحالف يُسمى NNPDF ، والذي كتب البحث الثاني الذي تم تثبيته لدى Nuclear Physics B :" بما أنّ التماثل لايساوي صفراً، فإن هذا يُخبرنا أنّ توزيع السبين ليس أمراً عديم الأهمية".

قام فريق روخو بحسابات أظهرت أنّ احتمالية مساهمة الغلوونات هي حوالي نصف السبين الذي تقدّمه الكواركات للبروتون. وقام دي-فلوريان وزملائه بتحليل نفس البيانات من RHIC، ولكن استعملوا تحليل حسابي آخر من أجل حساب مقدار مساهمة الغلوونات؛ ووجدوا أيضا أن سبين الغلوونات بجب أن يكون مؤثرا بشكل كبير. يقول دي-فلوريان:"هذه البيانات تُظهر للمرّة الأولى أنّ استقطاب الغلوونات فعلياً لا يساوي صفر، نحن نرى الآن أنّ الغلوونات تمتلك استقطاب، ومن الممكن أن تكون هي المسؤولة عن الكمية المتبقية من سبين البروتون، ولكن الشّك كبير جدا".

 

كلا الفريقين يقولان أنّ عملهم هو مجرد البداية في طرق فهم كيفية تأثير الغلوونات على سبين البروتون. ومن أجل التأكد أكثر، يجب أن تتم تجارب أكبر وأفضل مرشح لهذه التجارب حسب رأيهم هو مصادم إلكترون-أيون المقترح بناؤه في برووكهايفن؛ فباستطاعة هذه الآلة أن تصادم بروتونات مُستقطبة ضمن طاقات أعلى من المتوفرة في RHIC، وبإمكانها أن تستكشف مقدار مُساهمة غلوونات ذات طاقة أعلى في غزل البروتون، بدلاً من ذوات الطاقة المنخفضة نسبيا المستخدمة حاليا.

 

إذا لم يكن سبين الغلوونات هو من يوفر التوازن لسبين البروتون، فإنّه من المحتمل أنه يأتي من زخم الدوران الزّاوي للكواركات والغلوونات التي تتجمع داخل البروتون. تماما مثل دوران الأرض حول محورها ودورانها حول الشمس، فالكواركات والغلوونات لديها سبينها الدّاخلي إلى جانب الزخم الزاوي القادم من حركتها حول مركز البروتون.

 

يقول الفيزيائي روبرت جافي (Robert Jaffe) من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، والذي لم يكن جزءاّ من البحث، أن السؤال هو: ما هو مقدار مساهمة كل من هذه العناصر في السبين الكلي للبروتون. ويُضيف:"قياس مقدار مساهمة الغلوونات في سبين البروتون هي خطوة إلى الأمام من أجل الإجابة عن هذا السؤال، وهي خطوة مهمة".

إنّ حل أزمة سبين البروتون ليس مهماً فقط من أجل فهم السبين، بل أيضاً من أجل معرفة مصدر كتلة البروتونات والعديد من الجسيمات الأخرى. في الغالب يُقال أنّ بوزون هيغز المُكتشف حديثاً هو المسؤول عن منح الكتلة لكل الجسيمات. هذا صحيح، لكنّه ليس كل الحقيقة، حسب رأي روخو.

 

فبالإضافة إلى آلية هيغز، هناك عملية أخرى تعمل على إعطاء البروتون كتلته، وهذه العملية تتعلق بالحجز، وهي السبب الذي يجعل الكواركات والغلوونات محتجزة معا داخل جسيمات أخرى مثل البروتونات، ولا نجدها لوحدها أبداً. إن ديناميكية الحجز تُؤثر ايضاً على استقطاب سبين الكواركات والغلوونات.

يقول روخو:"إنّ أحد المسائل المذهلة في الفيزياء النظريّة الحديثة هي فهم الحجز، فكلما فهمنا توزيع الاستقطاب للكواركات والغلوونات بشكل أفضل، كلما إقتربنا من فهم مبدأ الحجز. ومع البيانات المتوفرة لدينا، نستطيع معرفة آلية الحجز، وفي نهاية المطاف معرفة مصدر كتلة البروتونات".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات