هل من فائدة لبوزون هيغز؟

 البروفيسور بيتر هيغز Peter Higgs واقفًا أمام صورة لمصادم الهادرونات الكبير في عرض "المصادم" بمتحف العلوم في 12 نوفمبر/تشرين ثاني 2013 في لندن، إنجلترا.

في يوليو/تموز عام 2012 تم الإعلان عن إيجاد بوزون هيغز بواسطة مصادم الهادرونات الكبير. ابتهج العلماء كثيرًا وصفق الباحثون وبكى الفيزيائيون. كما بكى جماهير مصادم الهادرونات الكبير، بينما وقف الباقون حول ماكينة تحضير القهوة وقالوا: "يمكننا السفر الآن عبر الزمن، أليس كذلك؟"


من خلال لمحة بسيطة على التغطية الإعلامية المتلهفة وصور الفيزيائيين المحتفلين بسويسرا، يمكن للشخص العادي أن يفهم بسهولة الأهمية البالغة لبوزون هيغز. لكن ما هي علاقة تلك الأهمية البالغة لبوزون هيغز بحياتنا اليومية؟ وماذا يعني ذلك بالضبط من الناحية العملية؟


أولًا، دعونا ننشئ خلفية عن مصادم الهادرونات الكبير والتجارب بشكل عام، والتي تم القيام بها في المنظمة الأوروبية للبحث النووي (سيرن). الأمر باختصار، يُعجل مصادم الهادرونات الكبير حركة البروتونات حتى تصل تقريبًا إلى سرعة الضوء، ومن ثم يصادمها ببعضها. ما ينتج عن ذلك التصادم ليس الانفجار العظيم، ولكن نسخة مصغرة جدًا منه تشبه الثواني الأولى بعد بدء الكون.


وفي تلك اللحظات التالية لاصطدام البروتونات، فإنها لا ترتد عن بعضها البعض. والطاقة الناتجة عن ذلك الانفجار تسمح لنا برؤية جسيمات أثقل. ثم تهرب بسرعة، وتتحول إلى جسيمات أخرى خلال أجزاء صغيرة من الثانية. ولكن تلك القطع الصغيرة الباقية هي القادرة على الإجابة عن أسئلة الفيزياء الهامة. جُسيم هيغز هو أحد تلك الجسيمات، وقد فتن العلماء عند اكتشافه.


إن بوزون هيغز لا يفسر الفيزياء، وليس المفتاح الذي سنفهم من خلاله الكون أيضاً. إذا كانت الفيزياء أحجية ضخمة، فإيجاد جسيم هيغز قد يمكننا من معرفة أن هناك صورة لقارب في تلك الأحجية، ولكنها بالرغم من ذلك فإنها لا تساعدنا لتجميع أجزاء الأحجية بالكامل، أو حتى إذا كان ذلك القارب هو الأحجية أو جزءاً منها.

 

قد يبدو الأمر محبطًا قليلًا حيث كان يشار إليه على أنه "جسيم الإله"، والذي يجعل العلماء يجفلون عند سماع ذلك المصطلح. قد يكون جسيم هيغز هو أهم اكتشاف فيزيائي في جيلنا، لكننا ما زلنا لا نعلم سبب وجودنا أو ماذا يحكم الكون.


دعونا نتوقف عن طرح ما لا يمكن لجسيم هيغز أن يكون ونتطرق إلى الأشياء المدهشة التي يخبرنا عنها جسيم هيجز قبل أن أن نعلم أكثر عن التطبيقات العملية الناتجة عن اكتشافه.


الإجابة الأكثر وضوحًا لما فعله هيغز هيجز حتى الآن هي إخبارنا بالدليل القاطع أن المجال الذي يوجد به هذا الجسيم موجود بالفعل. وقبل أن تعبس وتشكو من تلك الإجابة الخاذلة، اصغ إلينا قليلًا. عانى الفيزيائيون طويلًا من أجل تفسير سبب منطقية معادلاتهم في حالة معينة وهي أن تكون بعض الجسيمات عديمة الكتلة، في حين أن الجسيمات كانت لها بالفعل كتلة ملحوظة.


دارت نظريتهم حول وجود مجال هيغز بالشكل الآتي: حساء من بوزونات هيغز التي منحت كتلًا للجسيمات البدائية. ليس الأمر كأن البوزونات كانت تغذي تلك الجسيمات الأولية؛ بل المجال نفسه –الذي يتغلغل في الكون– كان يقوم بذلك عن طريق جعل الجسيمات تتحرك ببطء، سامحًا لها بالالتحام والتكتّل معًا وتشكيل المادة.

 

فكّر في كرة زجاجية ترتطم سريعًا في مقلاة مائلة قليلًا. أضف طبقة سميكة من الطحين إلى المقلاة، وفجأة تلاحظ الكرة وهي تسعى جاهدةً للمرور بين حبيبات الطحين أثناء حركتها.


قد تلاحظ السبب وراء جاذبية هذا الحل، وذلك من خلال أن المعادلات لم تكن بحاجة إلى التغيير لأن الجسيمات يمكنها أن تظل عديمة الكتلة مع الاعتراف بأنها اكتسبت كتلة بطريقة أو بأخرى.


هنا تأتي النظرية والتجربة معًا. من خلال دفع البروتونات من أجل دراسة ظاهرة كالانفجار العظيم، تمكّن العلماء من إيجاد جسيم يتصرّف بالطريقة التي تنبؤوا بها، وكان جسيمَ هيغز. بمعنى آخر، ولفترة من الزمن التي يمكننا أن ندعوها بجزء من الثانية، تمكن الفيزيائيون من رؤية الحطام الناتج عن الانفجار متبعًا مسارًا معينًا، والذي أشار إلى أن سلوكه كان مختلفًا عن الجسيمات المعروفة حاليًا. كان يمتلك كتلة ونمطاً من التحلل الذي مكّنه من الوقوف جانبًا إلى جنب مع شكوك هيغز المحتملة.


كما ذكرنا سابقًا، إيجاد بوزون هيغز يعني أنه لدينا الآن دليل على وجود مجال هيغز. (ففي النهاية أنت بحاجة لحبة رمل واحدة لإثبات وجود شاطئ!). وبإثبات وجود مجال هيغز، كان ذلك خطوة كبيرة نحو تفسير اكتساب الكون للكتلة.


من المهم تذكر أن هيغز يمنح كتلة فقط للجسيمات الأولية كالإلكترونات والكواركات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أنني وأنت نخضع لنفس العملية. بدون وجود هيغز، لما تمكّن الكون من تشكيل الذرات والجزيئات.

 

بدلًا من ذلك، كانت الإلكترونات والكواركات استمرت في اللمعان والإضاءة بسرعة الضوء كالفوتونات. ولن تكون هناك أي نوع من المواد المركبة، أي أن الكون سوف يكون عديم الكتلة. ولن نتمكن من الوجود كذلك، ولا أي نوع آخر من الأشياء التي نعرفها قد يكون موجودًا.


إن إيجاد هيغز لديه طريق طويل أمامه لتفسير السبب وراء أن النموذج القياسي – النظرية الأولية للفيزياء والتي تشرح وتهتم بالأجزاء الصغيرة من الكون – صحيح. فكل جسيم تم التنبؤ به في النموذج القياسي تم إيجاده، عدا هيغز. لذلك فإن اكتشاف هيغز يحتاج إلى وقت طويل لإثبات أن النظرية على المسار الصحيح.

 


لكن هل تذكر عندما قلنا أننا نملك فكرة عن ماهية الأحجية التي بين أيدينا؟ إن إكمال النموذج القياسي قد يسمح لنا بوضع قطعِ أكثر معًا داخل الأحجية، ولكن ذلك لا يعني إنها الأحجية نفسها. وذلك لأن النموذج القياسي لا يمنحنا أي وصف للجاذبية أو إجابة عن أسئلتنا حول المادة المظلمة والطاقة المظلمة – اللتان تغطيان 96 بالمئة من الكون. ببساطة، كوننا اكتشفنا وجود هيغز –الذي بدوره يثبت صحة النموذج القياسي– لا يمنحنا المزيد سوى المزيد من الأفكار حول ما قد يوجد أبعد ذلك.


وأسوأ من ذلك، إحدى تلك الأفكار – التناظر الفائق – بدأت تذهب أدراج الرياح بسبب اكتشاف هيغز. التناظر الفائق يطرح فكرة أن كل جسيم أساسي له شريك فائق يوحدان القوة والمادة وربما أيضًا أساس الطاقة والمادة المظلمة.

 

للأسف، لا يتمكن مصادم الهادرونات الكبير من إيجاد الشركاء الفائقين حينما تكون التنبؤات عكس ذلك. وبذلك، فإن استخداماً عملياً واحداً لهيغز قد يقود العلماء لإعادة التفكير في النظريات التي تتخطى حدود النموذج القياسي.


لكن لا تشعر بسوء الحظ، فتذكر أنه عند اكتشاف الموجات الكهرومغناطيسية لأول مرة في القرن التاسع عشر لم نكن نعلم كيف لها أن تساعدنا في النهاية للاستماع إلى مباريات كرة القاعدة أو التحديق بأجهزة الآيفون طيلة اليوم. بينما قد تكون نتائج اكتشاف هيغز واستخداماتها النهائية ما زالت غامضة، إلا أنها قد تكون على بعد خطوة واحدة

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات