انقسام حول الورقة العلمية الجديدة لستيفن هوكينغ

بعد مضي شهر تقريباً على نشر ستيفن هوكينغ وزملائه لورقةٍ علميةٍ تتناول الثقوب السوداء (black holes)، لا زال علماء الفيزياء يتجادلون حول ما تعنيه؛ إذ يدعم بعضهم هذا الادعاء بقولهم أنه يُمثل طريقةً واعدةً لمعالجة اللغز المعروف بمفارقة المعلومات الخاصة بالثقوب السوداء، التي حددها هوكينغ قبل أكثر من 40 عاماً. يقول أندرو سترومينغر Andrew Strominger، عالم الفيزياء في جامعة هارفارد-كامبريدج والمؤلف المشارك في الورقة: "أعتقد أنه يوجد إحساسٌ عامٌ بالإثارة المتعلقة بإيجادنا لطريقةٍ جديدةٍ للنظر إلى الأشياء، وقد تساعدنا في الخروج من المأزق".


عرض سترومينغر النتائج في 18 كانون الثاني/يناير أثناء حديثه في جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة حيث يُقيم هوكينغ. لكن يقول آخرون بأنهم غير متأكدين من أنه بإمكان هذا النهج حل المفارقة، على الرغم من ذهاب بعضهم للقول بأنه يُسلّط الضوء على العديد من المسائل في الفيزياء.

في أواسط سبعينات القرن الماضي، اكتشف هوكينغ أن الثقوب السوداء ليست كذلك بالكامل، وفي الحقيقة هي تُصدر بعض الإشعاع. ووفقاً للفيزياء الكمومية، فإن زوجاً من الجسيمات يجب أن يظهر جرّاء الاهتزازات الكمومية الحاصلة مباشرةً عند أفق الحدث (event horizon)، وهي نقطة اللاعودة للثقوب السوداء. يُفلت بعض هذه الجسيمات من جاذبية الثقب الأسود، لكنها تأخذ جزءاً من كتلتها معها، مما يتسبب في خسارة الثقب الأسود لكتلته تدريجياً، ومن ثمّ تبخُّره ببطء ليختفي في نهاية المطاف. 

في الورقة العلمية المنشورة عام 1976، أشار هوكينغ إلى أن هذا التدفّق للجسيمات -المعروف بإشعاع هوكينغ- سيتمتع بخواص عشوائيةٍ بالكامل. وكنتيجةٍ لذلك، حالما يختفي الثقب الأسود، فإن المعلومات المحمولة من قبل أيّ شيء سقط سابقاً داخل الثقب الأسود ستُفقد من الكون. لكن هذه النتيجة تتناقض مع قوانين الفيزياء التي تقول أن المعلومات -كما الطاقة- محفوظة، وهنا تظهر المفارقة. 

 

يظهر في هذه الصورة ثقبٌ أسود في مجرة M60-UCD1، حيث كان يُعتقد أن المعلومات تُفقد فيه بمجرد اختفائها.  حقوق الصورة: (NASA, ESA, D. Coe, G. Bacon (STScI
يظهر في هذه الصورة ثقبٌ أسود في مجرة M60-UCD1، حيث كان يُعتقد أن المعلومات تُفقد فيه بمجرد اختفائها. حقوق الصورة: (NASA, ESA, D. Coe, G. Bacon (STScI


يقول سترومينغر: "هذه الورقة كانت مسؤولةً عن معظم الليالي التي قضاها علماء الفيزياء النظرية بلا نومٍ مقارنةً بأي ورقةٍ علميةٍ في التاريخ".

يشرح سترومينغر أن الخطأ تمثّل في إهمال احتمالية قدرة الفضاء الفارغ على حمل المعلومات. وفي ورقتهم العلمية، حوّل كل من هوكينغ وسترومينغر ومالكولم بيري من جامعة كامبريدج نظرهم إلى الجسيمات الناعمة؛ وهذه الجسيمات هي النسخة الأقل طاقةً للفوتونات، من بينها جسيماتٌ افتراضية تُعرف بالغرافيتونات (gravitons) إضافةً إلى جسيماتٍ أخرى. ومؤخراً، استُخدمت هذه الجسيمات لإجراء الحسابات في فيزياء الجسيمات، لكن يلاحظ المؤلفون أن الخلاء الذي يُوجد الثقب الأسود داخله ليس بحاجةٍ لأن يكون خالياً من هذه الجسيمات، لكن يجب أن يكون خالياً من الطاقة، وبالتالي تلك الجسيمات الناعمة موجودةٌ في حالة الطاقة صفر (zero-energy state).

نتيجةً لما سبق، كتب الثلاثة أن أي شيء يسقط في الثقب الأسود سيترك بصمةً على تلك الجسيمات؛ ويقول سترومينغر: "إذا كنت في خلاء ما وتنفست -أو فعلت أي شيء- فإنك تُحرك الكثير من الغرافيتونات الناعمة".  وبعد التسبب بهذا الاضطراب، فإن الخلاء حول الثقب الأسود يتغير، وبالتالي تُحفظ المعلومات هناك.


تمضي الورقة العلمية لتقترح آليةً لنقل تلك المعلومات إلى الثقب الأسود، الأمر الذي إن كان صحيحاً سيحل المفارقة؛ وقد أنجز العلماء ذلك عبر حساب كيفية تشفير البيانات باستخدام وصفٍ كموميٍّ لأفق الحدث، وهو الأمر المعروف بشعرة الثقب الأسود (black hole hair)

انتقالٌ خادع 


لا يزال العمل غير مكتمل، يقول آبهاي أشتيكار Abhay Ashtekar، الذي يدرس الجاذبية في جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة، أنه وجد أن الطريقة التي استخدمها المؤلفون لنقل المعلومات للثقب الأسود -التي دعوها بالشعرة الناعمة- غير مقنعة. يعترف المؤلفون أنهم لا يعرفون حالياً كيف ستنتقل المعلومات بشكلٍ متتالٍ إلى إشعاع هوكينغ، وهي خطوةٌ مستقبليةٌ مهمةٌ جداً.

أما ستيفن آفري Steven Avery، وهو عالم فيزياء نظرية من جامعة براون، فيعتقد أن هذا النهج سيحل المفارقة، لكنه متحمسٌ للطريقة التي يُمكن من خلالها توسيع إشارة الجسيمات الناعمة، ويذكر أن سترومينغر وجد أن الجسيمات الناعمة تكشف عن تناظراتٍ مهمةٍ لقوى معروفةٍ بالطبيعة، ويقول بأننا نعرف بعضها، لكن بعضها الآخر جديد.

هناك فيزيائيون آخرون أكثر تفاؤلاً حول الطريقة المستخدمة لحل مفارقة المعلومات، منهم سابين هوسينفيلدر Sabine Hossenfelder من معهد فرانكفورت للدراسات المتقدمة في ألمانيا، وهي تقول أن النتائج المتعلقة بالشعرة الناعمة، إضافةً إلى بعضٍ من عملها، يبدو أنها ستؤدي إلى تسويةٍ للمشكلة المتعلقة بالثقوب السوداء والمعروفة بمسألة الجدار الناري؛ وهي المسألة المتعلقة بقيام عملية تشكل إشعاع هوكينغ، بجعل أفق الحدث مكاناً ساخناً، الأمر الذي يقود إلى تناقضٍ مع نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين والتي تقول بأن الراصد الذي يسقط داخل ثقب أسود لن يرى أي تغير مفاجئ في البيئة.


تقول هوسينفيلدر: "إذا كان للخلاء حالات مختلفة، سيكون بإمكانك نقل المعلومات إلى الإشعاع دون الحاجة إلى وضع أي نوعٍ من الطاقة في أفق الحدث، وكنتيجةٍ لذلك، لن يكون هناك جدار ناري".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • أفق الحدث (Event horizon): هي بعدٌ معين عن الثقب الأسود لا يمكن لأي شيء يقطعه الإفلات من الثقب الأسود. بالإضافة إلى ذلك، لا يُمكن لأي شيء أن يمنع جسيم ما من صدم المتفرد الذي يتواجد لفترة قصيرة جداً من الزمن بعد دخول الجسيم عبر الأفق. ووفقاً لهذا المبدأ، فأفق الحدث عبارة عن "نقطة اللاعودة". انظر نصف قطر شفارتزشيلد. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات