ما هو الثقب الأسود وفقاً للرياضيات؟

سألْنا بو فيغوراس Pau Figueras عن كل ما تريد أن تعرفه حول الثقوب السوداء. وفي الجزء الآخر من المقابلة شرح لنا ما هي الثقوب السوداء وفقا للفيزياء، وكيف نأمل رصدها. أما في هذا الجزء الثاني من المقابلة، فهو يشرح لنا تنبؤ نظريات أينشتاين بوجودها، وكيف نصفها رياضياً؟ 

 

كيف جرى التنبؤ بالثقوب السوداء للمرة الأولى؟


الأجسام فائقة الكتلة تحني الزمكان   المصدر: ناسا
الأجسام فائقة الكتلة تحني الزمكان المصدر: ناسا

نشر أينشتاين نظريته في النسبية العامة في وقتٍ متأخر من العام 1915، وبعد ذلك ببضعة أشهر في بداية العام 1916 اكتشف كارل شفارتزشيلد Karl Schwarzschild أول الحلول لمعادلات أينشتاين. (نعني بالحل بعض القيم الخاصة بالمتحولات التي تصف انحناء الزمكان وتوزع المادة والتي تُحقق معادلات أينشتاين)، ويصف حل شفارتزشيلد الحقل الثقالي لجسم متناظر كروياً: ثقب أسود (black hole)

لم يكن مفهوماً في ذلك الوقت أن ذلك الحل يعود إلى ثقب أسود. وفي الحقيقة فإن أعظم عقول ثلاثينات القرن الماضي، بمن فيهم أينشتاين نفسه، رفضوا فكرة الثقب الأسود لأنها تحتوي المتفرد (singularity)، وهو مكان يكون فيه الانحناء كبيراً لدرجة تتحطم عندها حتى النسبية العامة، وتطلّب الأمر 50 عاماً لفهم ماهية الثقب الأسود في ستينيات القرن الماضي. 

 

 تؤكد النسبية العامة على أن الأجسام فائقة الكتلة تحني الزمكان. كيف تؤثر الثقوب السوداء على انحناء الزمكان؟


تُقاس شدة الحقل الثقالي (gravitational field) بدلالة هذا الانحناء. ولأن الثقوب السوداء فائقة الكتلة وهي صغيرة جداً، فإن جاذبيتها تكون قوية جداً وتخلق انحناءً كبيراً في الزمكان (spacetime). وإحدى الطرق لوصف الانحناء هي نصف قطر شفارتزشيلد:

 

\(R_s= \frac{2G_N M}{C^2}\)

 

حيث \(G_N\) هو ثابت نيوتن، وM هي كتلة الجسم وc سرعة الضوء. 

 

نصف قطر شفارتزشيلد (Schwarzschild radius) هو بطريقة ما الحجم الذي يجب أن يكون عليه الجسم وكذلك كتلته ليُشكل ثقباً أسودَ. على سبيل المثال، إذا ما تمكنا من تركيز كل كتلة الأرض داخل كرة بقطر يصل لبضعة سنتمترات، سيكون حينها ذلك الجسم عبارة عن ثقب أسود.

 

محاكاة لثقب أسود
محاكاة لثقب أسود

وبالطبع نحن نعرف أن ذلك لا يمكن أن يحصل لأنه هناك قوى أخرى في الطبيعة تمنع ذلك، ولكن في ظروفٍ مختلفة يُمكن لذلك أن يحدث. على سبيل المثال، عندما ينفذ وقود نجم فائق الكتلة، فهذه النجوم ستبرد وتنهار ثقالياً، وعند مرحلة ما ستصير صغيرة بدرجة كافية لتكون كتلتها مناسبة للوصول إلى نصف قطر شفارتزشيلد، وبالتالي تُشكل ثقباً أسود.

 

وعلى سبيل المثال، فإن نصف قطر شفارتزشيلد الخاص بالشمس هو من رتبة بضعة كيلومترات. ومن ثمّ إذا تمكنت من تركيز كامل كتلة الشمس في كرة بقطر بضعة كيلومترات، ستصير ثقباً أسود.

 


 هل يُمكنك توصيف ثقب أسود ببساطة، وبمميزات قليلة مثل كتلته وحجمه؟


أحد الأسباب التي تجعل من الثقوب السوداء مهمة جداً في فهمنا للنسبية العامة هو بساطتها -لأنها مؤلفة من لبنات البناء الأساسية للنظرية، وبالتحديد المكان والزمن فقط. إنها أجسام بسيطة للغاية، وبالتالي يُمكننا فهمها، وهذا مناقض لأجسام ثقالية أخرى مثل النجوم.

لفهم نجم ما، يجب الأخذ في الحسبان النسبية العامة، وأنت بحاجة أيضاً لفهم الفيزياء النووية لتفسير التفاعلات النووية الحاصلة، وأيضا فيزياء البلازما لفهم انتقال الحرارة داخل النجم؛ ودراسة هذا الأمر تصبح معقدة جداً، ولذلك نُجري تقريبات محددة.

لسنا بحاجة للقيام بذلك مع الثقوب السوداء لأنها مؤلفة من المكان والزمن فقط، ولذلك لدينا فهم كامل لها بالاعتماد على نظريتنا فقط. لا نحتاج إلى أي فيزياء أخرى، وهذه البساطة تُترجم إلى حقيقة أنه بالإمكان وصفها باستخدام عدد قليل من البارامترات.


في حالة الخلاء، وإذا ما كان الثقب الأسود ساكناً، يجب أن يكون كروياً، وهناك بارامتر واحد يصف الثقب الأسود في هذه الحالة وهو كتلته. على أي حال، فأجسام الطبيعة كالنجوم، تدور ولذلك فالثقوب السوداء الموجودة في الطبيعة لا بد أن تتمتع بدوران محدد.

وُجد حل شفارتزشيلد بعد أشهر قليلة فقط من نشر أينشتاين لنظريته، لكن إيجاد حل يصف الثقب الأسود ويأخذ بالاعتبار عملية الدوران تطلب 50 عاماً آخر. يُميز حل كير (Kerr solution) بارامترين فقط وهما الكتلة واللف الذاتي أو الـ (spin) الخاص بالثقب الأسود. وبوجود هذين البارامترين، يُمكنك وصف كل الثقوب السوداء في الطبيعة، ولا تحتاج إلى وضع أي تقريبات لفهم تلك الأجسام، ولذلك هي مهمة جداً.


بطريقة ما الثقوب السوداء ليست مختلفة جداً عن الجسيمات العنصرية (elementary particles) -في فيزياء الجسيمات- لأننا بحاجة إلى تحديد عدد قليل من البارامترات لوصفها. والأمر هو ذاته بالنسبة للثقوب السوداء، فهي الجسيمات العنصرية بالنسبة للنسبية العامة.

هل الثقوب السوداء أكبر ألغاز النسبية العامة؟


نعم! الثقوب السوداء هي نبوءة النسبية العامة، ونعلم بوجود بضعة أمثلة عنها في الطبيعة، وعن الأماكن التي نعتقد بأنها تحدث فيها، لكن لم نرصد أياً منها. ولذلك فإن وجودها من عدمه لازال سؤالاً مفتوحاً، والأمر نفسه بالنسبة لامتلاكها الخواص التي تنبأت بها النسبية العامة. 

هذا الأمر مهم لأن معظم الاختبارات المتعلقة بالنسبية العامة تضمنت حالات تكون فيها الجاذبية ضعيفة، أو نسبياً ضعيفة. على سبيل المثال، اختبرنا انحناء الضوء أثناء سبق عطارد. سيكون اكتشاف الثقوب السوداء أمراً غاية في الأهمية لأن الإشارات التي سنحصل عليها، تحديداً الأمواج الثقالية (gravitational waves)، ستكون ناتجة في مناطق تكون فيها الجاذبية هائلة. وسيسمح ذلك لنا باختبار نظام الحقل القوي في النسبية العامة، وهو أمر لم نقم به إلى الآن. 

سيضع هذا الأمر اختبارات قوية جدا أمام النسبية العام، ولذلك من المهم جداً رصد الثقوب السوداء، إذ ستعطينا هذه الأرصاد نافذة جديدة كلياً على النسبية العامة.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • نصف قطر شفارتزشيلد (Schwarzschild radius): هو المسافة المحيطة بمركز جرم عظيم الكتلة - بافتراض أن جميع مادة الجرم مركّزة ومنضغطة في نقطة المركز- والتي تصبح عندها سرعة الإفلات مساوية لسرعة الضوء. فعند مسافة أطول من نصف قطر شفارتزشيلد، يمكن لجسيم سرعته مقاربة لسرعة الضوء الإفلات من الجرم عظيم الكتلة، أما إذا كان الجسيم على مسافة أقصر من نصف قطر شفارتزشيلد فلا يمكن له الافلات من الجرم، وحتى الضوء لا يستطيع حينها القيام بذلد. ولذلك يُسمى الجرم (الجسم) في هذه الحالة ثقبًا أسودا.
  • الأمواج الثقالية (gravitational waves): عبارة عن تموجات في الزمكان، نشأت عن حركة الأجسام في الكون. أكثر المصادر التي تُنتج مثل هذه الأمواج، هي النجوم النترونية الدوارة، والثقوب السوداء الموجودة خلال عمليات الاندماج، والنجوم المنهارة. يُعتقد أيضاً بأن الأمواج الثقالية نتجت أيضاً عن الانفجار العظيم. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات