كيف كانت ردة فعل هوكينج بعد اكتشاف الأمواج الثقالية؟

نرى في هذه الصورة محاكاة حاسوبية للأمواج الثقالية الناجمة عن اندماج ثقبين أسودين.

المصدر: CalTech/LIGO


سارع عالم الفيزياء البريطاني المختص بنظريات الثقوب السوداء ستيفن هوكينج Stephen Hawking إلى تهنئة فريق الباحثين بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وذلك عقِب الإعلان عن اكتشاف مرصد قياس التداخل للأمواج الثقالية لايغو (LIGO) كأول أثر مباشر للأمواج الثقالية. هذا وعبّر هوكينج عن بالغ سعادته وسروره بمناسبة هذا الحدث العلمي التاريخي.

وفي معرض تعليقه على هذا الأمر، قال هوكينج خلال مقابلة مع قناة BBC: "تؤكد هذه النتائج العديد من التنبؤات الهامة التي تضمنتها النظرية النسبية العامة لأينشتاين. ولعل أبرز ما جاءت به هو تأكيد وجود الأمواج الثقالية (gravitational waves) عبر رصدها بشكل مباشر".

يُعتبر الاكتشاف المباشر لوجود هذه التموجات في الزمكان أمراً في غاية الأهمية. فبالإضافة إلى تأكيد صحة النظرية النسبية العامة لأينشتاين، سيمنحنا هذا الاكتشاف فرصة رؤية الكون "المظلم" أو المجهول لأول مرة.

يستخدم علماء الفلك أثناء دراستهم للكون الطيف الكهرومغناطيسي مثل الضوء المرئي والأشعة السينية والأشعة تحت الحمراء، لذلك لم يتمكنوا من رصد الأجسام التي لا تشع هذا الطيف. ولكن الآن بعد معرفتنا لكيفية رصد الأمواج الثقالية، يمكننا استغلال هذا الأمر لإحداث نقلة نوعية في كيفية اكتشاف ودراسة بعض الظواهر الكونية ذات الطاقة العالية جداً.

يقول هوكينج: "ستساعدنا الأمواج الثقالية على رؤية الكون بمنظور جديد ومختلف كلياً، كما أن قدرتنا على اكتشافها ورصدها يمكن أن تحدث ثورة هائلة في علم لفلك".

باستخدام منظومة لايغو المكونة من محطتي رصد موجودتين في ولايتي واشنطن ولويزيانا، استطاع علماء الفيزياء اكتشاف ورصد الأمواج الثقالية. كما نجحوا أيضاً في تحديد مصدرها، ساعدهم في ذلك أن إشارة الأمواج الثقالية التي رصدوها جاءت متطابقة بشكل كبير مع النماذج النظرية الخاصة باندماج ثقب أسود يبعد عنا حوالي 1.3 مليار سنة ضوئية.

هذا وأدرك هوكينج من خلال التحليل الأولي للإشارة الصادرة عن الثقب الأسود الجديد (أي الناتج عن اندماج ثقبين أسودين)، أن النظام يبدو منسجماً مع النظريات التي طورها في سبعينيات القرن الماضي.

يقول هوكينج: "إن هذا الاكتشاف هو الأول من نوعه بالنسبة إلى أنظمة الثقوب السوداء الثنائية، كما يشكل أول عملية رصد لاندماج الثقوب السوداء. وكما تبين أثناء دراسة ذلك النظام، فإن خصائصه التي رصدها الباحثون تنسجم مع التوقعات التي أدليتُ بها حول الثقوب السوداء في جامعة كامبريدج في سبعينيات القرن الماضي".



 

تعود شهرة هوكينج الكبيرة ربما إلى أبحاثه التي جمع فيها بين نظرية الكم وبين خصائص الثقوب السوداء، حيث أدرك أن الثقوب السوداء تتبخر مع مرور الوقت، مما جعله يوجه أبحاثه إلى مفارقة الجدار الناري (Firewall Paradox)، والتي لا زالت إلى الآن تثير الكثير من الجدل في أوساط الفيزياء النظرية.


ومع ذلك، فإن ما يقصده هوكينج في كلامه السابق هو نظريته الخاصة بمنطقة الثقوب السوداء، والتي تشكل أساسَ القانون الثاني لميكانيكا الثقوب السوداء. ينص هذا القانون على أن الإنتروبي أو مستوى الفوضى من المعلومات لا يمكنها أن تتناقص داخل نظام الثقب الأسود مع مرور الوقت.

 

وعليه، عندما يحدث اندماج بين ثقبين أسودين (كالذي حصل بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول من سنة 2015)، تكون منطقة أفق الحدث الناجمة عن عملية الاندماج "أكبر وأكثر قوة من مجموع مناطق الثقوب السوداء الأولية". وأيضاً، يشير هوكينج إلى أن إشارة الأمواج الثقالية يبدو أنها تتوافق مع التنبؤات المستندة إلى نظرية "عدم وجود شعر" في الثقوب السوداء، والتي تعني بشكل أساسي أن الثقوب السوداء يمكن وصفها بسهولة من خلال كتلتها وشحنتها ولفها الذاتي (spin).

وبطبيعة الحال، فإن التفاصيل المتعلقة بكيفية توافق إشارة الأمواج الثقالية الناجمة عن اندماج ثقبين أسودين مع النظرية هو أمر معقد للغاية. ولكن من المثير للاهتمام أن عملية الرصد الأولى من نوعها هذه قد سمحت لعلماء الفيزياء بتأكيد نظريات تعود إلى عدة عقود خلت، حيث عانى الباحثون المهتمون بدراسة تلك النظريات من وجود عدد قليل من عمليات الرصد بخصوصها، وفي بعض الأحيان عانوا من عدم وجود أية أرصاد على الإطلاق.

يتابع هوكينج حديثه فيقول: "تشكل هذه النتائج لغزاً محيراً بالنسبة إلى علماء الفيزياء الفلكية، حيث أن كتلة كل ثقب أسود حسب النتائج هي أكبر مما هو متوقع بالنسبة إلى الثقوب السوداء الناجمة عن الانهيار الثقالي لنجم ما. لذا يبقى السؤال كيف أصبحت كتلة الثقبين الأسودين اللذين اندمجا معاً فائقة جداً؟".

يرتبط هذا السؤال المحير بأحد أكبر الألغاز المحيطة بعملية تطور الثقوب السوداء. يواجه العلماء في الوقت الحالي صعوبات جمّة في فهم الطريقة الكامنة وراء تطور الثقوب السوداء بحيث تصبح فائقة الكتلة بشكل كبير جداً. أحد التفسيرات المستبعدة هو وجود ثقوب سوداء ذات كتلة نجمية تتشكل مباشرة بعد انفجار أحد النجوم فائقة الكتلة على شكل سوبرنوفا (المستعر الأعظم). وأيضاً لدينا وفرة في الأدلة حول وجود ما يسمى بالبهيموث (behemoth) فائق الكتلة، والذي يقع في مركز معظم المجرات.

في حال كانت الثقوب السوداء تنمو وتكبر عبر عمليات دمج واستهلاك الكتلة النجمية، فيجب أن نرى أدلة على وجود ثقوب سوداء بكافة الأحجام. ولكن ما هو مدهش حقاً أن الثقوب السوداء ذات الكتلة المتوسطة أو التي لا تفوق الكتلة الشمسية سوى ببضع عشرات المرات فقط، هي نادرة الوجود. الأمر الذي يجعل النظريات المتعلقة بتطور الثقوب السوداء في موضع الشك والتساؤل.

عندما اكتشفت الأمواج الثقالية بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول من سنة 2015، نجح العلماء في تحديد أنها ناجمة عن عملية اندماج في نظام ثنائي للثقوب السوداء. هذا ويفوق وزن الثقبين الأسودين الكتلة الشمسية بحوالي 29 و 36 مرة على التوالي، وقد تصادما في بداية الأمر ومن ثم اندمجا، الأمر الذي أدى إلى إرسال إشارة موجة ثقالية كانت واضحة للغاية.


ولكن يبقى التساؤل كما أشار هوكينج، عن قدرة هذه الثقوب السوداء ذات الكتلة المحدودة في مساعدتنا وتقديم بعض الدلائل حول كيفية نمو وتطور الثقوب السوداء.

وأخيراً، لعل الشيء الواضح والجلي بالنسبة إلينا هو نجاحنا للمرة الأولى في الحصول على دليل حول اندماج الثقوب السوداء، والذي يعتبر بمثابة الآلية الرئيسية التي تكمن وراء معظم النظريات الخاصة بتطور الثقوب السوداء. لذا من الجيد حقاً أن نعلم أننا نسير على الدرب الصحيح!

يمكنك مشاهدة مقابلة ستيفن هوكينج مع قناة الـ BBC على الرابط التالي:


إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأمواج الثقالية (gravitational waves): عبارة عن تموجات في الزمكان، نشأت عن حركة الأجسام في الكون. أكثر المصادر التي تُنتج مثل هذه الأمواج، هي النجوم النترونية الدوارة، والثقوب السوداء الموجودة خلال عمليات الاندماج، والنجوم المنهارة. يُعتقد أيضاً بأن الأمواج الثقالية نتجت أيضاً عن الانفجار العظيم. المصدر: ناسا

اترك تعليقاً () تعليقات