هل تساعدنا النجوم في رصد الأمواج الثقالية؟

الأمواج الثقالية هي عبارة عن تموجات في الزمكان ناجمة عن تسارع حركة الأجسام فائقة الكتلة مثل اندماج الثقوب السوداء (نرى في هذه الصورة الأمواج الثقالية ممثلة بالشبكة الخضراء). تؤثر هذه الأمواج على الزمن الذي تستغرقه الإشارات الراديوية الصادرة عن النجوم النابضة كي تصل إلى الأرض.

المصدر: David Champion


لعل أبرز حدث علمي شهده العالم في الآونة الأخيرة هو نجاح مرصد قياس التداخل للأمواج الثقالية لايغو (LIGO) في اكتشاف الأمواج الثقالية لأول مرة، حيث تمكن من تحديد مصدرها باعتبارها ناجمة عن اندماج ثقبين أسودين تفوق كتلة كل واحد منهما كتلة الشمس بحوالي 30 مرة. تغطي الأمواج الثقالية مجموعة واسعة ومتنوعة من الترددات، مما يتطلب من العلماء استخدام عدة تقنيات مختلفة كي يستطيعوا رصدها.

 

وفي هذا الصدد، أظهرت دراسة جديدة صادرة عن مرصد أميركا الشمالية لرصد الأمواج الثقالية ذات الترددات المنخفضة NANOGrav أنه بالإمكان رصد الأمواج الثقالية ذات الترددات المنخفضة خلال فترة قريبة جداً، وذلك باستخدام التلسكوبات الراديوية الموجودة حالياً.

يقول ستيفن تايلور Stephen Taylor، وهو المؤلف الرئيسي للورقة العلمية التي نشرت مؤخراً في مجلة The Astrophysical Journal Letters: "باستطاعتنا رصد هذه الإشارات في حال كنا قادرين على مراقبة عدد كبير بما فيه الكفاية من النجوم النابضة (pulsars) المنتشرة في أرجاء السماء، حيث سيكون الدليل القاطع على رصدها هو مشاهدة نفس النمط من الانحرافات في كل واحد منها". ومن الجدير ذكره هنا هو أن تايلور باحث في أبحاث ما بعد الدكتوراة في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا ومقره باسادينا بولاية كاليفورنيا.

عمل تايلور مع زملاء آخرين في كل من مختبر الدفع النفاث ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، على دراسة أفضل الطرق الممكنة للاستفادة من النجوم النابضة في عملية رصد الأمواج الثقالية ذات الترددات المنخفضة. النجوم النابضة هي نجوم نيوترونية ممغنطة للغاية، وهي عبارة عن نوى النجوم التي تدور بسرعة كبيرة جداً، فهي ناجمة عن انفجار النجوم فائقة الكتلة كسوبرنوفا (supernova) (المستعر الأعظم).

وفقاً للنظرية النسبية العامة التي وضعها أينشتاين، فإن الموجات الثقالية هي تموجات في نسيج الزمكان ناجمة عن تسارع حركة الأجسام فائقة الكتلة. هذا وتنبعث الأمواج الثقالية ذات الترددات المنخفضة جداً (نانوهرتز) من أزواج من الثقوب السوداء التي تدور حول بعضها البعض، حيث تفوق كتلة كل واحد منها كتلة الثقوب السوداء التي رصدها مرصد لايغو بملايين المرات. نشأت هذه الثقوب السوداء في مركز مجرات كانت منفصلة عن بعضها البعض قبل أن تتصادم، وهي تنجذب نحو بعضها البعض ببطء إلى أن تندمج في نهاية المطاف وتشكل ثقباً أسوداً فائق الحجم!


ومع دورانها مع بعضها تعمل الثقوب السوداء على سحب نسيج المكان space وخلق إشارة خافتة تتحرك نحو الخارج في جميع الاتجاهات، مثل الاهتزازات في بيت العنكبوت. عندما تعبر هذه الاهتزازات الأرض وتحتك بكوكبنا برفق، الأمر الذي يؤدي إلى انزياحه نسبة إلى النوابض البعيدة. تستغرق الأمواج الثقالية المُتشكلة بواسطة الثقوب السوداء الثنائية أشهراً أو سنوات لتمر عبر الأرض، وتحتاج العديد من سنوات المراقبة لرصدها.

يقول جوزئف لاتزيو Joseph Lazio، وهو أحد المؤلفين المشاركين في الدراسة من مختبر الدفع النفاث JPL: "اندماج المجرات أمر شائع للغاية، ونحن نعتقد أن العديد من المجرات تحتوي على أنظمة الثقوب السوداء الثنائية فائقة الكتلة والتي ينبغي أن يكون بمقدورنا رصدها واكتشافها. وعليه، ستساعدنا النجوم النابضة في مشاهدة هذه الأجسام فائقة الكتلة وهي تدور بشكل حلزوني بالقرب من بعضها البعض".

عندما تكون هذه الثقوب السوداء العملاقة قريبة من بعضها البعض فإن الأمواج الثقالية تكون قصيرة جداً كي يتم رصدها باستخدام النجوم النابضة. وعليه، سيعمل مرصد الليزر الفضائي لقياس تداخل الأمواج الثقالية eLISA، وهو بعثة علمية يجري تطويرها من قبل وكالة الفضاء الأوروبية بمشاركة وكالة ناسا، في نطاق ترددات تمكنه من رصد آثار اندماج الثقوب السوداء الكتلة. وفي الوقت الحالي، تعمل بعثة LISA Pathfinder التي تتضمن نظام دفع متوازن يديره مختبر الدفع النفاث، على اختبار عدد من التقنيات اللازمة في بعثة eLISA القادمة.


لطالما شكلت عملية العثور على أدلة حول أنظمة الثقوب السوداء الثنائية فائقة الكتلة تحدياً كبيراً لعلماء الفلك. هذا وتحتوي مراكز المجرات على العديد من النجوم، وحتى الثقوب السوداء العملاقة تبدو صغيرة جداً بالمقارنة بحجم نظامنا الشمسي. لذا كان من الصعب جداً على علماء الفلك رؤية آثار مرئية لهذه الأنظمة الثنائية وسط السطوع الشديد للمجرة المجاورة لها.

للتغلب على هذه المشكلة، بحث علماء الفلك المختصون بالأشعة الراديوية عن إشارات الأمواج الثقالية الصادرة عن تلك الأنظمة الثنائية. وفي سنة 2007، بدأ مرصد NANOGrav في رصد مجموعة من النجوم النابضة التي تدور بسرعة كبيرة جداً، وذلك في محاولة منهم للكشف عن عمليات الإزاحة الصغيرة التي تتسبب لها الامواج الثقالية.

تصدر النجوم النابضة أشعة من الموجات الراديوية التي يجتاح بعضها الأرض مرة واحدة خلال كل عملية دوران لها. ويرصد علماء الفلك هذه الموجات على شكل نبضات سريعة من الانبعاثات الراديوية. ومن المعلوم لدينا أن معظم النجوم النابضة تدور عدة مرات في الثانية، إلا أن بعضها ويدعى بالنجوم النابضة بالميلي ثانية "millisecond pulsars" يدور بسرعة أكبر بمئات المرات.


تقول مورا ماكلولين Maura McLaughlin، وهي مختصة في علم الفلك الراديوي من جامعة فرجينيا الغربية بولاية مورغانتاون وهي عضوة في فريق NANOGrav: "تتميز النجوم النابضة بالميلي ثانية بامتلاكها أوقات وصول يمكن التنبؤ بها بشكل كبير ودقيق جداً، والأجهزة التي بحوزتنا قادرة على قياس إشاراتها بدقة متناهية نصل إلى حدود عشر المليون من الثانية. ونظراً لذلك، يمكننا استخدامها للكشف عن التحولات الصغيرة (الإزاحة) جداً في موقع الأرض".

على الرغم من ذلك، ينبه علماء الفيزياء الفلكية في JPL ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا Caltech إلى أن الكشف عن الأمواج الثقالية سيتطلب على الأرجح ما هو أكثر من بضعة نحوم نابضة. يقول ميشيل فالينسيري Michele Vallisneri، وهو عضو آخر في فريق أبحاث مختبر الدفع النفاث، في جامعة كاليفورنيا للتكنولوجيا: "يمكن تشبيه الأرض بأنها مثل العنكبوت الموجود في مركز شبكة ما. فكلما زاد لدينا عدد الأفرع في شبكة النجوم النابضة هذه، زاد احتمال الإحساس بمرور الموجات الثقالية عبرها".

ووفقاً لفالينسيري فإن تحقيق هذا الإنجاز يتطلب تعاوناً دولياً، ويردف قائلاً: "يعمل مرصد NANOGrav حالياً على مراقبة 54 نجماً نابضاً، ولكننا في نصف الكرة الجنوبي لا نستطيع رؤية إلا بعضها. لذا فإننا بأمس الحاجة إلى التعاون مع زملائنا الباحثين في أوروبا وأستراليا كي نتمكن من الحصول على ما يتطلبه هذا البحث من مراقبة شاملة لكامل أرجاء السماء".

أثير الجدل مؤخراً حول جدوى هذه الطريقة عندما أعلنت مجموعة من الباحثين الأستراليين المتخصصين في النجوم النابضة أنهم لم يكونوا قادرين على اكتشاف مثل هذه الإشارات، وذلك عند قيامهم بتحليل بيانات عدد من النجوم النابضة مع قياسات توقيت دقيقة للغاية. وبعد دراسة هذه النتيجة، قرر فريق مرصد NANOGrav بأن عدم اكتشاف تلك الإشارات لم يكن أمراً مفاجئاً على الإطلاق، وهو ناتج عن الجمع بين نماذج غير واقعية للأمواج الثقالية وبين تحليل بيانات عدد قليل جداً من النجوم النابضة. هذا وجاءت إجابة فريق مرصد NANOGrav في ورقة واحدة حيث نشرت مؤخراً على موقع arXiv.

وعلى الرغم من جميع العقبات التقنية، فإن تايلور واثق من أن فريقه يسير على الطريق الصحيح. يقول تايلور: "تجتاح الأمواج الثقالية الأرض في جميع الأوقات. ونظراً لعدد النجوم النابضة التي رصدها مرصد NANOGrav وغيره من فرق الأبحاث الدولية الأخرى، فإننا نتوقع خلال العقد القادم الحصول على أدلة مقنعة وواضحة حول الأمواج الثقالية ذات الترددات المنخفضة".


مرصد NANOGrav هو عبارة عن تعاون بين أكثر من 60 عالماً في أكثر من 12 معهداً علمياً في الولايات المتحدة الأميركية وكندا. هذا ويستخدم الفريق الأرصاد الراديوية لتوقيت النجوم النابضة والتي حصل عليها تلسكوب غرين بانك Green Bank Telescope في مرصد NANOGrav ومقره في فرجينيا الغربية، بالإضافة إلى بيانات مرصد راديو أريسيو Arecibo Radio Observatory في بروتوريكو. وهو يستغل هذه البيانات للبحث عن أية تموجات في نسيج الزمكان. وفي سنة 2015، منحت مؤسسة العلوم الوطنية مرصد NANOGrav مبلغ 14،5 مليون دولار لإنشاء وتشغيل مركز حدود الفيزياء Physics Frontiers Center.

ختاماً، يقول بيدرو مارونتي Pedro Marronetti، وهو مدير برنامج أبحاث الأمواج الثقالية في مؤسسة العلوم الوطنية: "في ظل اكتشاف مرصد لايغو للأمواج الثقالية، فإن العمل الرائع الذي نقوم به في تعاون NANOGrav يبدو ذا صلة وفي الوقت المناسب. وعليه، فإن مركز حدود الفيزياء الذي تموله مؤسسة العلوم الوطنية يستعد لاستكمال أرصاد مرصد لايغو، الأمر الذي يفسح المجال أمام اكتشاف الأمواج الثقالية ذات الترددات المنخفضة".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernova): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات