جدل حول تفسيرات (بوم) لميكانيكا الكم

أظهر بعض علماء الفيزياء في كندا-بعد دراسة كيفية انتقال الفوتونات في شق مزدوج- أن بعض الفوتونات تنتقل في مسارات غريبة تتحدى قوانين الفيزياء. لكن وبعد التدقيق في البحث تبيّن أن سلوك هذه الفوتونات المارقة يمكن تفسيره عن طريق مبدأ التشابك الكمي (quantum entanglement). ويجدر بالذكر أن هذه التجربة أنهت جدلًا عمره ٢٥ عامًا فيما يخص وجود تفسير بديل لميكانيكا الكم.

 

التفسير التقليدي لميكانيكا الكم يعرّف حركة الجسيمات بالتابع الموجي (wave function) الذي يُعطي احتمالية وجود الجسيمات في مكان ووقت معينين؛ وينص مبدأ الشك على أن القياس الدقيق لوضعية جسيم في وقت معيّن سيؤدي إلى الشك في كمية حركته في ذلك الوقت، والعكس صحيح. وكنتيجة لهذا، فلا وجود لمفهوم المسار الفريد من نوعه الذي يسير فيه شيء ما، في ميكانيكا الكم.

 

وضع ديفيد بوم عام 1925 تفسيرًا بديلًا لميكانيكا الكم يقول فيه إن الجسيم يتبع مسارًا يقوده التابع الموجي "الطيار". تنشأ الطبيعة الاحتمالية لميكانيكا الكم من واقع أن الشروط الابتدائية للجسميات مجهولة، ومن هنا ظهرت وظيفة التابع الموجي الطيّار. فالفحص الدقيق لتمركز الجسيمات البوهيمية، على سبيل المثال، من شأنه أن يغير وظيفة الموجة حيث إن القياس المتزامن لدفع الجسيم يجب أن يكون ضمن حدود مبدأ الشك.

 

المسارات السريالية "الغريبة"


عام 1992، تجادل برتولد غيورغ أنغلرت Berthold-Georg Englert وزملاؤه حول عدم وجود تفسير واضح للمسارات البوهيمية تحت ظروف معينة -كأن يمر الجسيم من شق مزدوج-. هذه المسارات التي أُطلق عليها اسم "المسارات السريالية" أثارت جدالات في أوساط الفيزياء الكمية فيما إذا كان منهج "بوم" في ميكانيكا الكم صحيحًا أم لا. الآن، قام إيفرم ستاينبرغ Aephraim Steinberg وزملاؤه في جامعة تورنتو بقياس المسارات السريالية وبرهنوا على انسجامها مع نظرية الكم.

 

استخدم الفريق تقنية تسمى "القياس الضعيف" لتعقب مجموعة من المسارات التي اتبعتها الفوتونات في شق مزدوج. شملت هذه التقنية سبرًا خفيفًا لاتجاه حركة الفوتونات؛ لفهم الطرق المحتملة التي تسلكها الفوتونات في الجهاز. من المهم جدًا أن يكون القياس خفيفًا بحيث لا يُحدث تأثيرًا كبيرًا على التابع الموجي.

 

بدأت تجربة "الشق المزدوج" بإنتاج زوج من الفوتونات المتشابكة بالنسبة لاستقطابها. ثم تم إرسال الفوتون الأول إلى شاطر الأشعة المستقطبة (polarizing beam splitter) حيث يُنتج شعاعين متوازيين، الأول ذو استقطاب أفقي والثاني عمودي.

 

انزياح طفيف


يجري الباحثون القياس الضعيف على السرعة العرضية للفوتون الأول بعد خروجه من الشقوق. تتم هذه العملية عن طريق تمرير الفوتون ببلورة من الكالسيت، والتي تسبب انزياحًا طفيفًا في استقطابه ليتناسب مع سرعته العرضية. وقد تمكن الفريق باستخدام بصريات تركيز، من قياس السرعة العرضية في مواقع مختلفة خلال انتقال الفوتون في مسافة تعادل الخمسة أمتار. باستخدام هذه المعلومات تمكن ستاينبرغ وزملاؤه من بناء مجموعة من المسارات بالاعتماد على الفوتونات.

 

بسبب التشابك بين الفوتون الأول والفوتون الثاني، فإن قياس استقطاب الفوتون الثاني سيكشف لنا من أي شق عبر الفوتون الأول. لكن حين فحص ستاينبرغ وزملائه مجموعة من مسارات الفوتون الأول والتي كان من المفترض أن تأخذه عبر الشق السفلي -وفقًا لاستقطاب الفوتون الثاني- تبين لهم أن المسارات قد أخذت الفوتون عبر الشق العلوي والعكس صحيح. هذه هي المسارات السريالية التي تنبأ بها إنغلرت وزملاؤه.

 

غير أن دراسة أعمق للبيانات كشفت أن هذه السريالية الواضحة تعتمد على مكان قياس هذه المسارات. في الواقع لقد حدد ستاينبرغ وزملاؤه بعض الحالات التي بدأ فيها الفوتون الأول من الشق السفلي لكنه انحرف بعدها إلى مسار يبدو أنه الشق العلوي. وباستخدام تقنية تسمى "التصوير المقطعي للحالة الكمية" (quantum-state tomography) تمكنوا من مراقبة الفوتون الثاني خلال انحرافه هذا، ورأوا أن قيمته تتناوب بين أفقي (تشير إلى الشق السفلي) وعمودي (تشير إلى الشق العلوي). وكنتيجة لذلك، فإن قياس الفوتون الثاني في نهاية المسار تعطي الشق "الخطأ".

 

توضيح بمثال حي


يعتقد ستاينبرغ وزملاؤه أن انحراف الفوتونات يحدث بسبب التداخل الكمي (quantum interference) الناتج عن خروجها من الشقوق. إضافةً لحل مشكلة المسارات السريالية أعطت التجربة مثالًا حيًا عن إمكانية تأثر خاصية إحدى الجسيمات -استقطاب الفوتون الثاني- بمسار شريكه البعيد.


يصف راينر كالتنباش Rainer Kaltenbaek من جامعة فيينا هذا العمل بأنه "تجربة جميلة تتحدى تفكيرنا اليومي". ويضيف: "إنها توضح واحدة من القضايا الأساسية وهي: أنّ التشابك الكمي يطرح مسألة الجسيمات البوهيمية".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • التشابك الكمومي (quantum entanglement): التشابك الكمومي: ظاهرة كَمّية ترتبط فيها الجسيمات الكميّة ببعضها، رغم وجود مسافات كبيرة تفصل بينها. مما يقود إلى ارتباطات في الخواص الفيزيائية المقيسة لهذه الجسيمات الكمّية. المصدر: العلوم الأمريكية.
  • التابع الموجي (wave function): يصف هذا التابع في ميكانيك الكم الحالة الكمومية لنظامٍ معزول مكون من جسيمٍ او أكثر.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات