عصبونات اصطناعية يمكنها الكلام كالبشر

 نموذج ANNABELL هو هيكل إدراكي يتكون كليًا من العصبونات الاصطناعية المترابطة، وهو قادر على تعلم التواصل باستخدام اللغة البشرية بدءًا من حالة الصفحة البيضاء فقط، من خلال التواصل مع متحدث بشري. حقوق الصورة: برونو غولوسيو Bruno Golosio

محاكاةٌ آلية لنموذج إدراكي يتكون كليًا من العصبونات الصناعية، تتعلمُ التواصلَ خلال محادثة بدءًا من حالة الصفحة البيضاء (حالة الصفر)



طورت مجموعة من باحثي جامعة ساساري University of Sassari الإيطالية، وجامعة بليموث البريطانية University of Plymouth نموذجًا إدراكيًا يتكون من مليوني عصبون صناعي مترابط. يستطيع هذا النموذج التواصل باستخدام اللغة البشرية بدءًا من حالة الصفحة البيضاء[1] tabula rasa، وفقط من خلال التواصل مع محدِّث بشري. يُدعى هذا النموذج بالشبكة العصبية الاصطناعية ذات السلوك المتكيف المُسخَّر لتعلم اللغة Artificial Neural Network with Adaptive Behavior Exploited for Language Learning (ANNABELL) ، وهو موصوف في مقال منشور في الدورية العلمية العالمية PLOS ONE. يسلط هذا البحث الضوء على العمليات العصبية التي تُعتبر أساس تطور اللغة.

"كيف تطور أدمغتنا القدرة على أداء وظائف إدراكية معقدة؟". نطرح جميعًا على أنفسنا هذا السؤال بكل تأكيد، وهو سؤال لم يستطع الباحثون تقديم إجابة كاملة عنه إلى الآن. نعلم أن في الدماغ البشري ما يقارب المئة مليار عصبون، تتواصل فيما بينها بواسطة الإشارات الكهربائية. تعلمنا كثيرًا عن آليات إنتاج ونقل الإشارات الكهربائية خلال العصبونات. توجد أيضًا تقنيات تجريبية، كالتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، تتيح لنا فهم أي أجزاء الدماغ يكون أكثر نشاطًا عندما نقوم بالأنشطة الإدراكية المختلفة. لكن تبقى المعرفة المفصلة لكيفية عمل كل عصبون مفرد، وماهي وظائف الأجزاء المتنوعة من الدماغ، غير كافية لإعطاء إجابة للسؤال السابق.

قد نظن أن الدماغ يعمل بطريقة مشابهة لعمل الحاسب الآلي؛ ففي النهاية، حتى أجهزة الحاسب تعمل بواسطة الإشارات الكهربائية. في الحقيقة، اقترح العديد من الباحثين نماذج مبنية على المماثلة بين الحاسب والدماغ منذ أواخر الستينيات. بالرغم من ذلك، وبعيدًا عن الاختلافات الهيكلية، توجد اختلافات عميقة بين الدماغ وجهاز الحاسب، خاصةً في التعلم وآليات معالجة المعلومات. تعمل أجهزة الحاسب باستخدام برامج قام بتطويرها مبرمجون بشريّون. توجد في هذه البرامج قواعد مشفرة يجب أن يتبعها الحاسب عند التعامل مع تعليمات القيام بمهمة مُعطاة. بالرغم من ذلك، لا يوجد دليل يدعم وجود برامج مماثلة في أدمغتنا. في الحقيقة، يؤمن العديد من الباحثين الآن أن أدمغتنا قادرة على تطوير مهارات إدراكية أعلى، من خلال التفاعل مع البيئة بدءًا بمعرفة فطرية قليلة جدًا. ويبدو أن نموذج ANNABELL يؤكد هذا المنظور.

لا يحتوي نموذج ANNABELL معرفة لغوية مشفرة مسبقًا، بل يتعلمها من خلال التواصل مع محدِّث بشري، وذلك بفضل آليتين أساسيتين تتواجدان أيضًا في الدماغ البيولوجي: اللدونة المشبكية Synaptic Plasticity، والتبوّب العصبي Neural Gating .


اللدونة المشبكية هي القدرة التي تمتلكها الوصلة بين العصبونين على زيادة فاعلية الاتصال بينهما عندما يكون العصبونان نشطين بشكل متزامن (أو بشكل متزامن تقريبًا). هذه الآلية أساسية للتعلم، وللذاكرة طويلة المدى. أما آليات التبوُّب العصبي مبنية على خصائص عصبونات معيّنة تُدعى بالعصبونات ثنائية الاستقرار Bistable Neurons، تمكن هذه الخصائص العصبونات من التصرف كالمفاتيح التي يمكن تشغيلها وإطفاؤها بواسطة إشارة تحكم تأتي من العصبونات الأخرى. عندما يتم تشغيلها، تقوم العصبونات ثنائية الاستقرار بنقل الإشارة بين جزأين مختلفين في الدماغ، وإن لم تكن كذلك فهي تقوم بحجب الإشارة. يعتبر النموذج قادرًا -بفضل اللدونة المشبكية- على التحكم بالإشارات التي تقوم بفتح وإغلاق البوابات العصبية، ذلك للتحكم بتدفق المعلومات خلال المناطق المختلفة.

تم تقييم النموذج الإدراكي باستخدام قاعدة بيانات تتكون من 1500 جملة مُدخلة مبنية على أدب اللغة حديثة التطور، واستجاب النموذج بإنتاج 500 جملة كمخرجات. احتوت الجمل على الأسماء والأفعال والصفات والضمائر، وأصناف الكلمات الأخرى، وهو ما يثبت قدرة النموذج على التعبير باستخدام نطاق واسع من المؤهلات في معالجة اللغة البشرية.

 

 

========================
[1] الصفحة البيضاء Tabula Rasa: الحالة التي يكون فيها الفرد مولودًا دون محتوى أو معرفة عقلية سابقة، وتأتي كل المعرفة في هذه الحالة عن طريق التجربة أو الإدراك.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات