نظرية الفوضى وقانون مور

طور علماء من الولايات المتحدة دارات حاسوبية تعتمد على نظرية الفوضى (chaos theory)- وهي فرع من الرياضيات يتعامل مع الأنظمة بالغة التعقيد والحساسية، حيث تؤدي فيها التغييرات الصغيرة جداً إلى نتائج كبيرة. ويمكن للمنهج الجديد أن يؤدي إلى صناعة رقائق ذات كفاءة أكبر وتستهلك طاقة أقل لتعمل، وأن تساعدنا بشكل ملحوظ في الإبقاء على قانون مور (Moore's Law).

ينص قانون مور بشكل أساسي على أن عدد الترانزستورات في دارة متكاملة يتضاعف تقريباً  كل عامين. وبعبارة أخرى، تحافظ حالة التعقيد وبالتالي طاقة المعالجة في رقائق الحاسوب على ازديادها، ويعود الفضل في ذلك إلى هذه الترانزستورات المضاعفة التي يمكن الاعتماد عليها أكثر من أي وقت مضى.

 

 ولكن المشكلة مع قانون مور -الذي صاغه المؤسس المشارك في تأسيس إنتل غوردون مور Gordon Moore– هي أنه قائم على ملاحظات تعود إلى ستينيات القرن الماضي.

وفي الوقت الذي بقي فيه قانون مور صالحاً  بشكل أساسي لمدة 50 عاماً (ويعود الفضل في ذلك إلى التقدم التقني المستمر في تصميم وصناعة رقائق الكمبيوتر)، لم يكن أحد يتوقع استمراره إلى أجل غير مسمى، وخاصة أن مضاعفة عدد الترانزستورات تعني ترانزستورات أصغر وأرق من ذي قبل وذات أحجام لا تتجاوز النانومترات.

 

وفي مرحلة ما، يقل ارتباط هذا الأمر بالهندسة الذكية، ويرتفع احتمال الوقوع في قوانين الفيزياء التي لا مفر منها، حتى إن مور نفسه اعتقد ذلك. ويشير مور، في ذكرى مرور 50 عاماً على قانونه العام الفائت: "سيتوقف يوماً ما، لا يستمر شيء أسي كهذا إلى الأبد". ولكن بفضل الدارات المبنية على أساس نظرية الفوضى، يمكن لروح قانون مور أن تكون قادرة على الاستمرار بلا هوادة – هذا دون ذكر الترانزستور من الناحية التقنية. 

يقول بيهنام كيا Behnam Kia الباحث الرئيس من جامعة ولاية كارولينا الشمالية: "إننا نبلغ حدود الفيزياء عبر أحجام الترانزستورات، لذا نحن بحاجة إلى طريقة جديدة لتعزيز أداء المعالجات الميكروية، وبالتالي نقترح استخدام نظرية الفوضى –عدم خطية النظام نفسه- لتمكين برمجة دارات الترانزستور لتنجز مهام مختلفة".

وفي المشروع الأخير، صمم فريق كيا رقاقة غير خطية بإمكانها إنجاز مهام متعددة بعدد أقل من الترانزستورات مقارنة مع الدارات الخطية التقليدية. وفي حين ينجز الترانزستور الخطي ذو التصميم التقليدي مهمة واحدة لكل دارة ترانزستور، يمكن لدارة ترانزستور غير خطية وقابلة لإعادة التشكيل أن تضم عدداً من النماذج الغنية بين داراتها، والتي يمكن أن توظف بانتقائية بطرق مختلفة وأوقات مختلفة.

 

والنتيجة ليست الفوضى كما نستخدمها غالباً بالمعنى التقليدي، أي انعدام النظام. فنظرية الفوضى هي نظرية عن كيفية حساسية الأنظمة الديناميكية للانطلاق بالحالات، والتي بوسعها خلق تأثيرات جديدة في النظام – يُرمز لها غالباً بتأثير الفراشة (butterfly effect). 

ويضيف كيا: "ومن ناحية دوائر الكمبيوتر، نستخدم سلوك هذه المستويات الديناميكية لأداء مهمات معالجة مختلفة باستخدام الدارة نفسها، ونتيجة لذلك يمكننا الحصول على المزيد من الأقل".

وبالطبع، إنه نهج مختلف كلياً عن مجرد ضغط وتقليص المزيد من الترانزستورات، فهو تصور من نوع جديد عن ماهية الترانزستورات بالمقام الأول- وما هي قادرة على عمله. ويمكن أن تؤدي إلى مكاسب من نوع جديد غير ممكنة عبر زيادة أعداد الترانزستورات فقط مع دارات أصغر من قبل.

وكما يوضح دانييل كوبر Daniel Cooper من موقع Engadget: "تخيل معملاً حيث تمثل كل دارة موظفاً يحمل آلة حاسبة، وعملهم اليومي هو إجراء معادلة وحيدة مراراً وتكراراً. الرقاقات الأولى لديها حفنة من الموظفين، ولكن مع مرور الوقت انهارت الجدران، وتقلصت الآلات الحاسبة وفقد الموظفون وزناً. وهذا يعني تكدس المزيد من الناس في المبنى نفسه، ولكن لا يزال كل فرد يقوم بقسم من الحساب حين الطلب". 

ويوضح الموقع: "بخلاف ذلك، ستكون الترانزستورات غير الخطية طريقاً أكثر مرونة. وبعبارات مجازية، سيتوقف المعمل عن توظيف المزيد من الناس، وبدلاً من ذلك يقوم بتدريب أولئك الموجودين سلفاً لإجراء حسابات متعددة. وبهذه الطريقة يمكنك إنجاز المزيد من العمل/ الحساب بالعدد نفسه من الترانزستورات/الموظفين".

 

لا يزال الوقت مبكراً، ولكن يقول الباحثون بأن الدارات غير الخطية التي يعملون عليها حالياً يمكن أن تُصنّع باستخدام عمليات تصنيع رقاقات الكومبيوتر الحالية- ما يعني أنه في حال كانت الصناعة مهتمة بالاختراع في أبحاثها، يمكن لدارات الفوضى أن تجد مكانها في أجهزتنا في المستقبل القريب.

وإذا تم ذلك، لا يمكننا القول كم ستكون الرقاقات الجديدة على قدر من الكفاءة، ولكن الباحثين أنفسهم ليسوا على هذا القدر من الثقة. ويقول كيا: "نعتقد بأن هذه الرقاقة ستساعد في مواجهة التحديات في طلب المزيد من قوة المعالجة من عدد أقل من الترانزستورات.

 

وتتمتع كل 100 دارة متحولة غير خطية وتعمل على أساس نظرية الفوضى بالقدرة على القيام بعمل مكافئ لـ 100 ألف دارة، أو أن 100 مليون ترانزستور له القدرة على القيام بعمل ثلاثة مليارات ترانزستور وهذا ما يبشر بالخير فيما يتعلق باتساع نطاق قانون مور- ليس عبر مضاعفة عدد الترانزستورات كل عامين ولكن عبر زيادة ما تستطيع الترانزستورات عمله حين دمجها مع دارات غير خطية وتعمل وفق نظرية الفوضى".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات