كيف يعمل مصادم الهادرونات الكبير: الجزء الثاني

تعرفنا في الجزء الأول من هذه السلسلة على مكان وجود مصادم الهادرونات الكبير، وعلى أهم ما سعى لاكتشافه كبوزون هيغز، إضافة إلى قدرته على تفسير وشرح الظواهر التي تُحيط باللحظات الأولى من ولادة الكون، وسنتابع هذا الموضوع الشيق في هذا الجزء من السلسلة. 

 الانفجار العظيم على نطاق صغير 


بجعل البروتونات تصطدم بقوة وسرعة كافيتين، سيسبب مصادم الهادرونات الكبير انشطار البروتونات إلى جسيمات أولية أصغر، وهذه الجسيمات الأولية الدقيقة غير مستقرة بشدة، وتوجد فقط لجزء من الثانية قبل أن تتفكك أو أن تعود لتندمج من جديد مع جسيمات أولية أخرى.

 

لكن تبعاً لنظرية الانفجار العظيم (Big Bang) فكل المادة في الكون تكونت من هذه الجسيمات الدقيقة، وخلال توسع وتبرد الكون اجتمعت هذه الجسيمات الأولية لتكون جسيمات أكبر كالبروتونات والنترونات.
 

أبحاث مصادم الهادرونات الكبير: الأشياء الغريبة


 يستضيف هذا البناء المنشأة البحثية الواقعة فوق كاشف الميون اللولبي المدمج CMS بمئة متر . حقوق الصورة :Johannes Simon/Getty Images .
يستضيف هذا البناء المنشأة البحثية الواقعة فوق كاشف الميون اللولبي المدمج CMS بمئة متر . حقوق الصورة :Johannes Simon/Getty Images .


إن لم تكن جسيمات المادة المضادة والطاقة المظلمة المفترضة غريبة بما يكفي، يعتقد العلماء أن مصادم الهادرونات الكبير سيقدم دليلاً عن أبعاد أخرى أكثر غرابة.

 

نحن معتادون على العيش في عالم من أربعة أبعاد -ثلاثة أبعاد فراغية ( X,Y,Z ) إضافة لبعد الزمن- لكن يفترض العلماء احتمال وجود أبعاد أخرى لا نستطيع إدراكها، وبعض النظريات يمكن أن يكون لها معنى فقط إن وجدت أبعاد متعددة أخرى في الكون، فمثلا تتطلب إحدى نسخ نظرية الأوتار (string theory) وجود ما لا يقل عن 11 بعدا، ويأمل متبني نظرية الأوتار أن يوفر مصادم الهادرونات الكبير دليلا يدعم نموذجهم المقترح للكون.

 

أما نظرية الأوتار فتقول أن وحدة البناء الأساسية في الكون ليست جسيما وإنما وتر؛ والأوتار إما أن تكون ذات نهايات مفتوحة أو ذات نهايات مغلقة، ويمكنها أيضا أن تهتز بطريقة مشابهة لاهتزاز أوتار الغيتار عند العفق عليها؛ والاهتزازات المختلفة تجعل الأوتار تبدو على شكل أشياء مختلفة، فوتر يهتز بطريقة ما قد يبدو على شكل الكترون، وآخر يهتز بطريقة أخرى قد يكون نيوترون. 

انتقد بعض العلماء نظرية الأوتار قائلين بأنه لا يوجد دليل يدعم النظرية بحد ذاتها؛ وقد ضمنت نظرية الأوتار الجاذبية في النموذج القياسي -وهذا شيء لا يمكن للعلماء القيام به دون نظرية إضافية- كما أن هذه النظرية توائم ما بين نظرية النسبية العامة لأنشتاين ونظرية الحقل الكمومي. 

لكن حتى الآن لا يوجد إثبات على وجود هذه الأوتار، بالإضافة لأنها صغيرة جدا على أن ترصد كما لا يوجد حاليا طريقة للكشف عن وجودها، وهذا ما حدا ببعض العلماء لرفض نظرية الأوتار باعتبارها فلسفة أكثر من كونها علماً. لكن متبنو نظرية الأوتار يأملون أن يغير مصادم الهادرونات الكبير آراء النقاد، كما أنهم يبحثون عن دلائل عن تناظر فائق (Supersymmetry)، فوفقاً للنموذج القياسي كل جسيم له جسيم مضاد، فمثلا الجسيم المضاد للإلكترون (جسيم سالب الشحنة) هو بوزيترون (positron). 

يفترض التناظر الفائق أن الجسيمات أيضا تملك قرائن فائقة (Superpartners)، والتي تمتلك بدورها نظائر شبيهة Counterparts، وهذا يعني أن لكل جسيم ثلاثة جسيمات مناظرة (counter-particles)، وعلى الرغم من أننا لم نر أي دلالات عن هذه القرائن الفائقة في الطبيعة، يأمل هؤلاء المنظرون أن يثبت مصادم الهادرونات الكبير وجودها في الواقع. ومن المحتمل أن تستطيع الجسيمات الفائقة (Superparticles) تفسير المادة المظلمة، أو أن توفق بين الجاذبية والنموذج القياسي العام.

كم يبلغ حجم مصادم الهادرونات الكبير؟ وكم هي كمية الطاقة التي يستخدمها؟ وكم يكلف بناؤه؟ اكتشف ذلك في الجزء الثالث .

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات