إنجاز علمي جديد: رؤية الذرات المنفردة للمرة الأولى في التاريخ!

تمكّن مجموعةٌ من الباحثين لأول مرةٍ من التقاط صورٍ لذرات البوتاسيوم المنفردة والموزعة في شبكة بصرية (optical lattice)، مما يقدم لهم فرصةً فريدةً لرؤية كيف تتفاعل الذرات مع بعضها البعض.


وفي الوقت الذي يُعتبر فيه التقاط هذه الصورة عملاً بطولياً بحد ذاته، إلا أنه باستطاعة هذه التقنية مساعدة الباحثين في الحصول على فهمٍ أفضل للشروط اللازمة لترابط الذرات مع بعضها وتشكيلها لحالاتٍ غريبةٍ من المادة، مثل الموائع الفائقة (superfluids) والموصلات الفائقة (superconductors). 

يقول عضو الفريق مارتن زويرلين Martin Zwierlein من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا في تصريحٍ صحفي: "عبر التعلم من هذا النموذج الذري، يُمكننا فهم ما يجري في تلك الموصلات الفائقة، وما يجب على المرء فعله لصنع الموصلات الفائقة مرتفعة درجة الحرارة، آملين الوصول إلى درجة حرارة الغرفة".

ولالتقاط الصور، أخذ الفريق غاز البوتاسيوم وبرده إلى درجة حرارة من رتبة النانو كلفن، أي بالقرب من الصفر المطلق. ولوضع الأمور في نصابها، علينا أن نتذكر أن 1 نانو كلفن مساوية لـ -273 درجة سلسيوس (-460 درجة فهرنهايت). 


وعند درجات الحرارة فائقة البرودة كهذه، تتباطأ حركة ذرات البوتاسيوم مما يسمح للفريق باحتجاز بعضها داخل شبكةٍ بصريةٍ ثنائية الأبعاد، وهي عبارةٌ عن سلسلة من الليزرات المتداخلة مع بعضها والتي يُمكنها احتجاز الذرات المفردة داخل أمواجٍ شديدةٍ ومختلفة. 

يقول زويرلين: "بالنسبة لنا، يحصل هذا التأثير عند النانو كلفن لأننا نعمل مع غازٍ ذريٍّ مميع، ولو كان لديك جزء كثيف من المادة، فقد يحصل مثل هذا التأثير عند درجة حرارة الغرفة". وبعد احتجاز الذرات داخل الشبكة، التقط الفريق مئات الصور باستخدام مجهرٍ عالي الدقة لمعرفة كيف تأخذ الذرات تشكيلاتها. 

وجد الفريق أنه في مناطق الشبكة ذات الكثافة الأقل -مثل تلك المحيطة بالحواف- تُحافظ ذرات البوتاسيوم على المسافات الكائنة بينها، مما يؤدي إلى خلق "حيّز شخصي" لكل ذرة يُعرف بثقب باولي (pauli hole). ويضيف زويرلين: "لقد حجزوا لأنفسهم مساحةً صغيرةً من الفضاء، حيث يكون من غير المرجح إيجاد أي شيء آخر في ذلك الحيّز". 

وبالقرب من مركز الشبكة حيث يكون الغاز أكثر انضغاطاً، اكتشف الفريق أنه من المرجح أن تقترب الذرات من بعضها البعض -وفي بعض الأحيان تكون فوق بعضها البعض- وتوجه نفسها وفقاً لتوجهاتٍ مغناطيسيةٍ بديلة، ويعلق زويرلين على الأمر قائلاً: "إنها ترابطات مغناطيسية حديدية مضادة وجميلة تتمتع بوجود نمط شطرنجي -أعلى، أسفل، أعلى، أسفل...".

وإحدى الطرق لتخيل تلك الصورة، هي النظر إلى كيفية اختلاف التوزعات البشرية بالاعتماد على الكثافة، فعلى سبيل المثال، يُحب الناس في المدن وبشكلٍ كاملٍ الحياة فوق وتحت بعضهم البعض، مما يجعلهم يتخلون عن مساحةٍ أكبر من فضائهم الشخصي. في حين يُفضل آخرون، وهم أولئك الذين يعيشون في الضواحي، أن يتمتع بمساحاتٍ أكبر تفصلهم عن جيرانهم. 

أجرى الفريق تجاربه سعياً للوصول إلى فهمٍ أفضل للموصلية الفائقة superconductivity (ظاهرة كمومية تكون فيها المقاومة معدومة والإلكترونات حرة الحركة)، وبسبب عدم وجود التكنولوجيا اللازمة لجعل الباحثين يرون الإلكترونات في الشبكة، استخدم الفريق غاز البوتاسيوم لاستكشاف نموذج فيرمي-هوبارد (Hubbard-Fermi model) الذي يبين كيف ستتفاعل الذرات مع بعضها وفقاً للإلكترونات. 

يقول زويرلين: "ذلك هو السبب الأكبر وراء عدم فهمنا للموصلات الفائقة مرتفعة درجة الحرارة، حيث تتفاعل الإلكترونات بقوةٍ كبيرة"، ويتابع: "لا يُمكن لأي حاسب تقليدي في العالم حساب ما يحصل للإلكترونات المتفاعلة عند درجات الحرارة المنخفضة جداً، كذلك، فإن الترابطات المكانية لم تُرصد أبداً لعدم وجود مجهر قادر على رؤية إلكترونٍ منفرد".

وبوجود دراساتٍ مستقبلية، فإنّ ذلك سيقودنا ربما إلى فهمٍ أفضل للموصلية الفائقة، مما يساعد في صناعة أنظمةٍ كهربائيةٍ بمقاومةٍ معدومة، لتكون بذلك أكثر فاعلية من أي شيء شاهدناه حتى الآن. 
 

وتكمن الخطوة التالية للفريق في محاولة رصد نفس الذرات عند درجات حرارةٍ أكثر انخفاضاً، لمعرفة كيف تتصرف تلك الذرات، وفيما إذا كان بإمكانها تشكيل موصلٍ فائق.

نُشرت الدراسة في مجلة ساينس Science.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • مادة فائقة الموصلية (superconductor): هي مادة قادرة على نقل الإلكترونات أو إيصال الكهرباء دون وجود أي مقاومة.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات