العناصر المكونة لوحدات بناء الحياة الأساسية تأتي من ضوء النجوم!

الجانب المغبرّ من سيف الجبار يظهر مضيئًا في الصورة الأخاذة بالأشعة تحت الحمراء التقطها مرصد الفضاء هيرشل التابع لوكالة الفضاء الأوروبية. وفي الصورة الداخلية الصغيرة يظهر الإصدار المنبعث من ذرات الكربون المؤينة (C+‎‏) بلون أصفر.

حقوق الصورة: ESA/NASA/JPL -Caltech


توجد الحياة بأشكال لا حصر لها، لكنك إن حللت أي (متعضية) حية إلى أجزائها الأكثر أساسية فجميعها تمتلك ذات الجوهر: عبارة عن ذرات كربون مرتبطة مع ذرات هيدروجين وأوكسجين ونيتروجين وعناصر أخرى؛ لكن تشكل هذه المواد في الفضاء لغزًا غامضًا منذ الأزل.

يفهم علماء الفلك الآن بشكل أفضل كيف أن الجزيئات التي تكون هذه المواد ضرورية لبناء عناصر كيميائية أخرى أساسية للحياة؛ فبفضل بيانات مرصد فضاء هرشل ‏Harschel التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، وجد العلماء أن الأشعة فوق البنفسجية القادمة من النجوم تلعب دورًا رئيسيًا في تكوين هذه الجزيئات أكثر من كون أحداث "الصدمة" Shock -التي تولد الاضطراب- هي التي تكونها، كما كان يعتقد سابقًا.

وقد درس العلماء مكونات التركيبات الكيميائية الحاوية على الكربون في سديم الجبار Orion Nebula وهو منطقة تشكيل النجوم الأقرب للأرض، والتي تكون نجومًا ضخمةً؛ حيث رسموا مخططاً لكمية ودرجة حرارة وحركات جزيء الكربون-هيدروجين (CH والمعروف للكيميائيين بالميثيليدين  methylidyne‏)‏، ولأيون الكربون-هيدروجين موجب الشحنة، بالإضافة للأيون الأم لهما وهو أيون الكربون الموجب (+C‏)‏.


والأيون عبارة عن ذرة أو جزيء لا تعادل فيه بين شحنة البروتونات والإلكترونات، الأمر الذي ينتج عنه شحنة إجمالية net charge (أي إما موجبة أو سالبة ولا يمكن نسبها إلى أي من ذراته).

يقول باتريك موريس Patrick Morris المؤلف الأول في الدراسة والباحث في مركز المعالجة والتحليل بالأشعة تحت الحمراء في معهد كاليفورنيا للتقنية 'كالتك' Caltech في باسادينا: ''تعد الشمس مصدرًا باعثًا لكل أنواع الحياة تقريبًا على الأرض؛ والآن عرفنا أن ضوء النجوم يحفز تكوين مواد كيميائية هي السلف للمواد الكيميائية التي نحتاجها لصناعة الحياة على الأرض".

وفي أوائل الأربعينيات من القرن العشرين، كان جزيئا CH و+CH من أول ثلاث جزيئات قد تم اكتشافها في الفضاء بين النجمي. وقد تفاجأ العلماء أثناء فحصهم السحب الجزيئية (molecular clouds) -وهي تجمعات من الغاز والغبار الكوني- في سديم الجبار بواسطة مرصد هرشل بإيجادهم أن جزيء +CH يصدر الضوء بدلًا من امتصاصه، ما يعني أنه أكثر حرارة من غاز الخلفية.


حيث يحتاج جزيء +CH الكثير من الحرارة ليتشكل بالإضافة إلى أنه شديد التفاعل؛ بالتالي فهو يتدمر عندما يتفاعل مع هيدروجين الخلفية في السحابة، ولذا فإن درجة حرارته الحارة ووفرته العالية غامضة جدًا.

لماذا إذن يتوفر جزيء +CH بكثرة في السحب الجزيئية كسديم الجبار Orion Nebula؟


حاولت العديد من الدراسات أن تجيب على هذا السؤال من قبل، لكن عمليات رصدها كانت قاصرة، لأن نجوم الخلفية المتوفرة في الدراسة كانت قليلة. أما الآن، فمرصد هرشل Harschel يسبر منطقة ذات طيف كهرومغناطيسي -الأشعة تحت الحمراء البعيدة، يصاحبها أجسام باردة- لم يسبق لأي تلسكوب فضائي أن وصل إليها من قبل، ولذا قد يدخل في حسبانه سديم الجبار بأكمله بدلًا من نجوم بمفردها.


كما أن الأداة المستخدمة للحصول على بياناتهم وهي HIFI (أداة الاقتران متغاير التردد للأشعة تحت الحمراء البعيدة)، عالية الحساسية لحركة غيوم الغازات تلك.

إحدى النظريات الرئيسية حول أصل الهيدروكربونات الأساسية هي أنها تشكلت أثناء "الصدمات" (Shocks)، وهي أحداث تخلق الكثير من الاضطراب، مثل انفجارات المستعرات الفائقة Supernovae أو النجوم الفتية التي تلفظ المواد نحو الخارج.


ومناطق السحب الجزيئية التي يكثر فيها الاضطراب تخلق الصدمات بشكل عام؛ ومثلها مثل موجة عاتية تضرب مركبًا ما، تسبب موجات الصدمة اهتزازات في المواد التي تواجهها، ويمكن لهذه الاهتزازات أن تخرج الإلكترونات من الذرات فتحولها إلى أيونات، والتي من المحتمل جدًا أن تجتمع مع بعضها.

لكن الدراسة الجديدة لم تجد أي رابط بين هذه الصدمات وجزيئات +CH في سديم الجبار! تظهر بيانات مرصد هرشل بأن جزيئات +CH هذه من المحتمل جدًا أنها تكونت بواسطة إصدارات الأشعة فوق البنفسجية لنجوم فتية جدًا في سديم الجبار، والتي إن قارناها بالشمس فهي أكثر حرارة منها وأكثر كتلة بكثير كما تصدر أشعة فوق بنفسجية أكثر بكثير.


وعندما يمتص جزيء ما فوتونًا ضوئيًا يصبح "مثارًا"ولديه المزيد من الطاقة ليتفاعل مع الجسيمات الأخرى؛ وفي حالة جزيء الهيدروجين، فعندما يضربه فوتون ضوئي فإما أن يهتز أو يدور بسرعة أكبر، أو أن يحدث الأمران معًا.


وكما هو معروف منذ زمن طويل أن سديم الجبار فيه الكثير من غاز الهيدروجين، وعندما تسخن الأشعة الضوئية فوق البنفسجية القادمة من نجوم كبيرة جزيئات الهيدروجين المحيطة، فهذا يخلق شروطًا أولية لتكوين الهيدروكربون. وأثناء ازدياد حرارة الهيدروجين بين النجمي، تبدأ أيونات الكربون التي تكونت أصلًا في النجوم بالتفاعل مع الهيدروجين الجزيئي مكونة جزيئات +CH. وفي النهاية يلتقط جزيء +CH إلكترونات ليكون جزيء CH متعادل.

يقول جون بيرسون John Pearson المؤلف المشارك في الدراسة والباحث في مختبر ناسا للدفع النفاث JPL في باسادينا -كاليفورنيا: "هذه هي بداية كيمياء الكربون بالكامل"، ويكمل قائلًا: "وإن كنت تريد تكوين شيء أكثر تعقيدًا، فيجب أن تسلك هذا الطريق".

هذا وقد جمع العلماء بيانات هيرشل مع نماذج للنشوء الجزيئي ووجدوا بأن الأشعة الضوئية فوق البنفسجية هي التفسير الأفضل لكيفية تكون الهيدروكربون في سديم الجبار.


ولهذه النتائج مضامين تشير إلى كيفية تشكل الهيدروكربون في مجرات أخرى أيضًا؛ ومن المعلوم وجود "صدمات" في المجرات الأخرى، لكن المناطق الكثيفة التي تسيطر فيها الأشعة الضوئية فوق البنفسجية على تسخينها وكيميائها، قد تلعب دورًا رئيسيًا في تكوين جزيئات الهيدروكربون الأساسية هناك أيضًا.

يقول بيرسون: "مازال غامضًا كيف تصبح جزيئات معينة مثارة في مراكز المجرات"، ويكمل قائلًا: "إن دراستنا دليل على أن الأشعة الضوئية فوق البنفسجية الصادرة عن نجوم ضخمة قد تكون باعثة لاستثارة الجزيئات هناك أيضًا".

هرشل عبارة عن مهمة تقوم بها وكالة الفضاء الأوروبية، مستخدمة أدوات علمية يزودها بها اتحاد من المعاهد الأوروبية وبمشاركة مهمة من ناسا. وبعد توقف المرصد من القيام بعمليات الرصد العلمية في نيسان/أبريل 2013 بسبب نفاد السائل المبرد كما كان متوقعًا، ما زال العلماء يتابعون تحليل بياناته.


ويقع مكتب مشروع هرشل التابع لناسا في مختبر ناسا للدفع النفاث في باسادينا بكلفورنيا، ويساهم هذا المختبر في تقنيات ممكنة للمهمة لاثنين من أدوات هيرشل العلمية الثلاث. كما يدعم مركز هيرشل العلمي التابع لناسا والجزء من مركز المعالجة والتحليل بالأشعة تحت الحمراء ‏IPAC جمعية الفضاء الأمريكية. ويدير مختبر الدفع النفاث لناسا معهد كاليفورنيا للتقنية "كالتك".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • السحابة الجزيئية (Molecular cloud): تُعرف في بعض الأحيان أيضاً بالحاضنة النجمية (stellar nursery) إذا كانت عملية التشكل النجمي تحصل داخلها، وهي نوع من السحب بين النجمية يسمح لها كلٌ من كثافتها وحجمها بتشكيل الجزيئات وأكثر تلك الجزيئات شيوعاً هي غاز الهيدروجين.
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernovae): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernova): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا
  • السديم (Nebula): عبارة عن سحابة بين نجمية مكونة من الغبار، والهيدروجين، والهليوم وغازات مؤينة أخرى.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات