أمواج المستقبل

قلص باحثو جامعة برينستون بشكل كبير المعدات اللازمة لإنتاج التيراهرتز (وهي نبضات كهرومغناطيسية هامة تدوم لمدة بيكو من الثانية) وذلك ابتداءً من معدات الطاولة من ليزرات ومرايا، وحتى زوج من الرقاقات الميكروية الصغيرة بما يكفي ليسعها طرف إصبع (أعلاه). ويملك الجيل الجديد من التيراهرتز الأبسط والأقل تكلفة القدرة على تحقيق التقدم في مجال التصوير الطبي والاتصالات وتطوير العقاقير. 


المصدر: Frank Wojciechowski for the Office of Engineering Communications


قد تحمل النبضات الكهرومغناطيسية (electromagnetic pulses) التي تدوم ما يقارب البيكو ثانية المفتاح لعمليات تطوير التصوير الطبي والاتصالات والعقاقير. 


كانت هذه النبضات التي تدعى أمواج التيراهرتز (terahertz waves) تتطلب استخدام معدات مكلفة ومتقدمة لزمن طويل، أمّا الآن فقد قلّص باحثون في جامعة برنستون الكثير من هذه المعدات بشكل كبير، منتقلين من معدات الطاولة من ليزرات ومرايا، إلى زوج من الرقاقات الميكروية الصغيرة بما يكفي ليسعها طرف إصبع.

 

وفي مقالين نُشرا مؤخراً في صحيفة Journal of Solid State Circuits التابعة لجمعية مهندسي الكهرباء والإلكترونيات (IEEE)، يصف الباحثون رقاقة واحدة بإمكانها توليد أمواج التيراهرتز، ورقاقة أخرى يمكنها التقاط التفاصيل المعقدة لهذه الأمواج وقراءتُها.

 

يقول الباحث الرئيس كاوشيك سينغوبتا Kaushik Sengupta الأستاذ المساعد في قسم الهندسة الكهربائية في برنستون: "أُنجز النظام بتكنولوجيا الرقاقات السيليكونية ذاتها التي تدعم جميع الأجهزة الإلكترونية الحديثة من الهواتف الذكية وحتى الأجهزة اللوحية، وبذلك فإنها تكلف بضعة دولارات لصنعها على نطاق أكبر".

 

أمواج التيراهرتز هي جزء من الطيف الكهرومغناطيسي (electromagnetic spectrum) -وهو الصنف الواسع من الأمواج الذي يتضمن الأمواج الراديوية والأشعة السينية والضوء المرئي، وتقع بين حزم الأمواج الميكروية والأشعة تحت الحمراء. 


ولهذه الأمواج بعض المميزات الفريدة من نوعها التي تجعلها هامة بالنسبة للعلم. ومنها أنها تستطيع المرور عبر أكثر المواد غير الناقلة (non-conducting)، لذلك يمكن استخدامها من أجل النظر عبر الملابس أو الصناديق لأغراض الأمن، ولأن لها طاقة أقل من الأشعة السينية، فهي لا تضر بالنسيج البشري أو الحمض النووي DNA.

 

تتفاعل أمواج التيراهرتز أيضاً بطرق مميزة مع المواد الكيميائية المختلفة، وبهذا يمكن استخدامها لدراسة خواص مواد معينة. إن التحليل الطيفي (spectroscopy)، أي القدرة على استخدام الأمواج الضوئية لتحليل المواد، هو أحد التطبيقات الواعدة -وأكثرها تحدياً- لأمواج التيراهرتز، كما أوضح سينغوبتا.

 

ولفعل ذلك، يسلط العلماء مجالاً عريضاً من أمواج التيراهرتز على هدف، ومن ثم يراقبون كيف تتغير الأمواج بعد التفاعل معه. تقوم العين البشرية بنوع مشابه من التحليل الطيفي بالضوء المرئي- فنحن نرى الورقة خضراء لأن الضوء ضمن تردد الضوء الأخضر يرتد عن الورقة المثقلة بالكلوروفيل (اليخضور).

 

في مقالين نشرا مؤخراً، وصف الباحثان كوشيك سينغوبتا (اليسار)، أستاذ مساعد في قسم الهندسة الكهربائية، وشيويه وو (اليمين)، طالب الدراسات العليا في مجال علوم الحاسب في برنستون، إحدى الرقاقات التي بإمكانها توليد أمواج التيراهرتز، ورقاقة أخرى يمكن أن تلتقط التفاصيل المعقدة لهذه الأمواج وتقرأها. تقع هذه الأمواج بين حزمة الأمواج الميكروية والأشعة تحت الحمراء من الطيف الكهرومغناطيسي، ولها خصائص فريدة، مثل القدرة على المرور عبر المواد غير الناقلة كالملابس والصناديق دون أن تدمر النسيج البشري أو الحمض النووي.  المصدر: Princeton University
في مقالين نشرا مؤخراً، وصف الباحثان كوشيك سينغوبتا (اليسار)، أستاذ مساعد في قسم الهندسة الكهربائية، وشيويه وو (اليمين)، طالب الدراسات العليا في مجال علوم الحاسب في برنستون، إحدى الرقاقات التي بإمكانها توليد أمواج التيراهرتز، ورقاقة أخرى يمكن أن تلتقط التفاصيل المعقدة لهذه الأمواج وتقرأها. تقع هذه الأمواج بين حزمة الأمواج الميكروية والأشعة تحت الحمراء من الطيف الكهرومغناطيسي، ولها خصائص فريدة، مثل القدرة على المرور عبر المواد غير الناقلة كالملابس والصناديق دون أن تدمر النسيج البشري أو الحمض النووي.  المصدر: Princeton University

 

ويكمن التحدي في أنّ توليد نطاق واسع من أمواج التيراهرتز وتفسير تفاعلها مع هدف، أمر يتطلب مصفوفة معقدة من المعدات كمولّدات التيراهرتز الضخمة أو الليزرات فائقة السرعة. وبالتالي فإن حجم التجهيزات وكلفتها يجعل هذه التكنولوجيا غيرَ عملية بالنسبة للعديد من التطبيقات.

 

المجال الزمني للتيراهرتز


عمل الباحثون طوال سنوات من أجل تبسيط هذه الأنظمة، ففي أيلول/سبتمبر، أفصح فريق سينغوبتا عن طريقة لتقليص حجم مولّد التيراهرتز والجهاز الذي يفسر الأمواج العائدة إلى شريحةٍ بحجم ميلليمتر. ويكمن الحل في إعادة تصور كيفية عمل الهوائي، فعندما تتفاعل أمواج التيراهرتز مع بنية معدنية داخل الرقاقة، فإنها تخلق توزيعاً معقداً للحقول الكهرومغناطيسية المميزة للإشارة الحاصلة. 


عادةً ما يتم تجاهل هذه الحقول المستقرة، ولكنّ الباحثين أدركوا أن بإمكانهم قراءة أنماط مثل هذه الإشارة للتعرف على الأمواج. ويمكن تحقيق كامل العملية من خلال أجهزة صغيرة داخل الرقاقات التي تقرأ أمواج التيراهرتز.

 

ويقول سينغوبتا: "بدلاً من قراءة الأمواج بشكل مباشر، نقوم بتفسير الأنماط التي تخلقها الأمواج، الأمر أشبه بالبحث عن أنماط لقطرات المطر من خلال التموجات التي تصنعها في بركة".

 

ويقول الأستاذ في الهندسة في جامعة براون دانييل ميتلمان Daniel Mittleman: "كان التطوير جزءاً من عمل مبتكر، ومن المحتمل أن يكون له آثار عدة". ميتلمان هو نائب رئيس الجمعية الدولية للأشعة تحت الحمراء وأمواج التيراهرتز الميلليمترية International Society for Infrared Millimeter and Terahertz Waves، ويقول إنه لا زال هناك عمل على العلماء إنجازه قبل أن يتمكنوا من استخدام التيراهرتز في أجهزة الحياة اليومية، ولكن التطوير لا يزال واعداً.

 

ويضيف ميتلمان: "إنها أحجية كبيرة وفيها العديد من القطع، وهي أحجية واحدة، ولكنها مهمة جداً". ميتلمان معتاد على هذا العمل إلا أنه ليس له دور فيه.

 

في نهاية جيل التيراهرتز، يكمن التحدي في خلق نطاق واسع من الأطوال الموجية ضمن حزمة التيراهرتز، وخاصةً داخل الرقاقة. وقد أدرك الباحثون أنّ بإمكانهم تجاوز المشاكل من خلال توليد عدة أطوال موجية على الرقاقة. ومن ثم استخدموا توقيتاً دقيقاً من أجل دمج الأطوال الموجية هذه لخلق نبضات تيراهرتز حادة.

 

وفي مقال نشر في عدد 14 أيلول/سبتمبر من مجلة IEEE Journal of Solid State Circuits، أوضح الباحثون كيف صنعوا رقاقة لتوليد أمواج التيراهرتز، وقالوا إن الخطوة التالية هي توسيع العمل أكثر إلى جانب حزمة التيراهرتز. ويقول طالب الدكتوراه في الهندسة الكهربائية في جامعة برنستون شيويه وو Xue Wu، والمؤلف لكلا البحثين: "نعمل الآن مع الجزء الأدنى من حزمة التيراهرتز".


ويتساءل سينغوبتا: "ما الذي يمكنك فعله مع مليار ترانزستور يعمل بتردد التيراهرتز؟ فقط من خلال إعادة تصور هذه التفاعلات الكهرومغناطيسية المعقدة من مبادئ أساسية، يمكننا أن نبتكر تكنولوجيا جديدة تقلب الموازين".

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الطيف الكهرومغناطيسي (Electromagnetic spectrum): يُمثل الطيف الكهرومغناطيسي توزع الطاقة الكهرومغناطيسية عند الأطوال الموجية المختلفة، ويمتد انطلاقاً من الأطوال الموجية الراديوية الطويلة جداً وصولاً إلى أشعة غاما القصيرة جداً. تستطيع العين البشرية كشف قسم صغير من هذا الطيف، وهو القسم المعروف بالضوء المرئي. باختصار إنه المجال الكامل للترددات انطلاقاً من الأمواج الراديوية، ووصولاً إلى الأشعة غاما. المصدر: ناسا
  • التحليل الطيفي (Spectroscopy): التحليل الطيفي ببساطة هو علم قياس شدة الضوء عند الأطوال الموجية المختلفة. وتُسمى المخططات البيانية الممثلة لهذه القياسات بالأطياف (spectra)، وهي المفتاح الرئيسي لكشف تركيب الأغلفة الجوية للكواكب الخارجية. المصدر: ناسا
  • المجال تحت الأحمر (Infrared): هو الإشعاع الكهرومغناطيسي ذو الطول الموجي الأكبر من النهاية الحمراء للضوء المرئي، والأصغر من الأشعة الميكروية (يتراوح بين 1 و 100 ميكرون تقريباً). لا يمكن لمعظم المجال تحت الأحمر من الطيف الكهرومغناطيسي أن يصل إلى سطح الأرض، مع إمكانية رصد كمية صغيرة من هذه الأشعة بالاعتماد على الطَّائرات التي تُحلق عند ارتفاعات عالية جداً (مثل مرصد كايبر)، أو التلسكوبات الموجودة في قمم الجبال الشاهقة (مثل قمة ماونا كيا في هاواي). المصدر: ناسا
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

اترك تعليقاً () تعليقات