هل تفي المباني الذكية بوعودها نحو التقليل من استهلاك الطاقة؟

ربما أصبحت المباني "أكثر ذكاء"، ولكن لا يعني هذا بالضرورة أنها موفرة للطاقة. فوفقاً لدراسة حديثة، لن تستطع المباني الذكية في الواقع تحقيق الكثير وقد تكون عديمة التأثير على استهلاك الطاقة لأنه -بالرغم من التطورات التقنية- فإن عادات الإنسان لا تموت بسهولة.

على عكس الأبحاث السابقة التي اختبرت المباني الموفرة للطاقة باستخدام المحاكاة، قاست هذه الدراسة بقيادة الدكتور جيانلي بان Dr. Jianli Pan، وهو أستاذ مساعد في علوم الكمبيوتر في جامعة ميسوري سانت لويس، بياناتٍ من مبنى حقيقي حاصل على شهادة الريادة في الطاقة والتصميم البيئي LEED يقع في ولاية ميسوري. اختير هذا المبنى استراتيجياً باعتباره نموذجاً متعدد الاستعمالات يمكن تطبيقه على العديد من الأنماط والمواقع. وبعبارة أخرى، أخذت الدراسة في الاعتبار أنماط السلوك الإنساني الواقعية (والخاطئة) بدلاً من دراسة السيناريو المثالي الذي توفره عملية المحاكاة.

من أجل الحصول على نتائج دقيقة، راقب الباحثون المبنى كل ساعة لمدة سنة واحدة لرصد الأنماط اليومية والأسبوعية والشهرية. فحصوا تحديداً إجمالي استهلاك الطاقة الكهربائية واستهلاك الطاقة المستخدمة في التدفئة والتبريد والبيانات البيئية داخل المبنى وخارجه؛ حيث إنها هي المتغيرات الرئيسة التي تجعل من المبنى "أخضر"، كانت النتائج مثيرة للدهشة.

عندما رُبط الاستهلاك الناتج عن أنظمة التدفئة والتبريد مع التأثير البيئي (درجة الحرارة والرطوبة، وما إلى ذلك) لم يوجد أي تغير يذكر فيها على الرغم من التأثيرات الموسمية الواضحة. ثانياً، وُجد أن استهلاك الطاقة الكهربائية هو أعلى بنسبة 15٪ فقط خلال ساعات العمل مقارنة بساعات ما بعد العمل وعطل نهاية الأسبوع - وتعتبر هذه النسبة صغيرة بشكل استثنائي باعتبار أن غالبية الناس لا يتواجدون في المكاتب في عطل نهاية الأسبوع أو بعد ساعات العمل.

وقال بان: "لقد اخترنا بشكل استراتيجي تتبع هذا المبنى في ولاية ميسوري لأنه يمثل نموذجاً شائعاً للمبنى الذكي في بيئة تتعاقب فيها أربعة فصول. ووجدنا أن الكثير من الطاقة تُهدر أكثر مما يدرك الناس بسبب التحكم الثابت والمركزي للتدفئة والتبريد، الذي لا ينعكس على العدد الفعلي للأشخاص الموجودين والمغادرين".

ولذلك فعلى سبيل المثال، حتى في المباني الحاصلة على شهادة LEED، ستُشغل التدفئة في مكتب فارغ، أو سيبقى التبريد مشغلاً في الكافيتيريا ليلاً، وخاصة إذا بدأ مدراء المبنى بالضجر من خيارات أمثلة الطاقة ووقعوا في الروتين اليومي القديم.

مع المعرفة المكتسبة من قياسات البيانات، صمم الباحثون حلاً باستخدام تقنية إنترنت الأشياء IoT قائماً على تحديد الموقع، ويمكن أن يرقى فعلاً إلى إنجاز واعد في الأبنية الذكية. وتطبيق التحكم الآلي في الطاقة بتقنية إنترنت الأشياء لا يتطلب أي إجراء من أي نوع من المستخدمين، وبالتالي الحد من تأثير العادات البشرية السيئة.

ويتكون هذا الإطار من خمسة عناصر تصميم معروضة في الصورة أدناه، بما في ذلك تطبيق خدمة الموقع للهواتف الذكية، وأنظمة التحكم والمراقبة الموزعة، وسياسات واستراتيجيات متعددة المصادر لتوفير الطاقة، ووضع نماذج لأنماط الموقع وحوسبة التخزين السحابية.


تطبيق خدمة الموقع في الهواتف الذكية
تطبيق خدمة الموقع في الهواتف الذكية

 

يعتبر التكامل بين هذه المكونات الخمسة بمثابة العمود الفقري لنظام تطبيقات إنترنت الأشياء والتي يمكن أن توفر للمستخدمين القدرة على التحكم في المباني المتعددة من خلال أجهزتهم الذكية استناداً على موقعهم (الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وما إلى ذلك) حتى دون الضغط على زر. هذا يعمل من خلال وجود أجهزة استشعار  الموقع، وهي موجودة بالفعل في معظم الأجهزة الذكية، وإرسال إشارة إلى خادم الويب للمبنى، والتي يمكن بدورها أن تُحدث تغييراً في استهلاك الطاقة كأن يترك المستخدم أحد المباني فتُطفأ الأضواء في ذلك المبنى وعندما يقترب من مبنى آخر تُشغل الأضواء في هذا المبنى.

وقال بان: "إن هذا الإطار يتيح للمستخدمين بشكل أساسي التحكم في سياسات الطاقة الخاصة بهم وتنفيذها في الوقت المناسب، ما يسمح لهم باستهلاك الطاقة بما يتناسب مع الاستخدام الفعلي لهم".

عند استخدام إطار عمل إنترنت الأشياء، تعتمد وفورات الطاقة الفعلية بشكل كبير على نوع المباني المختبرة وعدد الأجهزة الكهربائية التي يمكن تغييرها والتحكم بها بشكل طبيعي. على وجه التحديد، كلما زادت الأجهزة القابلة للتحكم بواسطة البشر كلما زادت كميات الطاقة الموفرة المحققة. في هذه الدراسة، خفض مبنى المنزل استهلاك الطاقة بنسبة 60٪، في حين أن مبنى المكاتب خفضها بمقدار 55٪. وسبب هذا الفرق بالتوفير أن المكتب يحوي عدداً أكبر من الأجهزة ذات التحكم المركزي التي لا يمكن للمستخدمين التحكم بها.

 

التحكم في المباني المتعددة من خلال أجهزتهم الذكية استناداً على موقعهم (الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وما إلى ذلك) حتى دون الضغط على زر.
التحكم في المباني المتعددة من خلال أجهزتهم الذكية استناداً على موقعهم (الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وما إلى ذلك) حتى دون الضغط على زر.


توفّر سهولة هذه التكنولوجيا المال والطاقة بطريقة بسيطة عبر تفعيل التطبيق القائم على تحديد الموقع على أجهزة المستخدمين، وهو بطبيعة الحال مفعّل لكثير منهم لاستخدامهم الفيسبوك وخرائط جوجل، إلخ.

وتشمل خطوات الباحثين القادمة اختبار النظام بإضافة عدد أكبر من المستخدمين في وقت واحد في مبان متعددة، حيث اختبر هذا الاقتراح لشخص واحد فقط عبر مبنيين.

في المُجمل، تفتقر المباني الحالية المحافظة على الطاقة إلى تعقيدات النظام التي تحقق كفاءة كاملة. باستخدام هذا النظام القائم على تحديد المواقع، قد تكون المباني الذكية قادرة على الوفاء بوعودها (حرفياً) لأماكن بيئية أفضل دون أي تدخل أو تعب من المستخدم.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات