تعيين

بقعة في الجزء الخلفي من أدمغتنا تخلق الأحلام.

12 نيسان 2017

 

يعلم العلماء الآن الكثير عمّا يحدث عندما نحلم، وأي أجزاء الدماغ مسؤولة عن ذلك، وما الذي نحلم به، وكل ذلك بفضل هذه الدراسة الجديدة التي يعتبرها بعض الخبراء واحدة من أهم الدراسات التي نشرت على الإطلاق عن الأحلام.

تمنحنا الدراسة فهمًا أفضل حول كيفية وتوقيت حدوث الحلم، ولا تقتصر فائدتها على ذلك فحسب، بل وتمكننا من اكتشاف طرقٍ لتحفيز النوم، وحتى التلاعب بالأحلام التي نراها، بالأخص للناس الذين يعانون من الكوابيس والأرق.

حدّد علماء من جامعة ويسكونسن ماديسون University of Wisconsin-Madison "منطقة ساخنة" hot zone جديدة تطلق نشاطًا كهربائيًا في الدماغ والتي يشير نشاطها إلى أنّنا نحلم، وقد أظهرت أن الكثير من أحلامنا تحدث خارج مرحلة (حركات العين السريعة) REM من النوم، حتى لو لم نتمكن من تذكّر أحلامنا عندما نستيقظ.

أظهرت الدراسة كذلك أنّ مناطق الدماغ التي تعمل عندما نكون مستيقظين يمكن أيضًا أن تتولى نفس المهام عندما نكون نائمين، ومن هذه المهام التعرّف على الوجوه خلال النوم.

يقول أحد الباحثين وهو الطبيب النفسي جوليو تونوني Giulio Tononi: "تمكّنا من مقارنة التغيرات الحاصلة في الدماغ عندما نكون واعين أثناء الحلم، مع التغيرات الحادثة عندما نكون فاقدين للوعي أثناء الحالة السلوكية ذاتها للنوم. وبهذه الطريقة تمكنّا من التركيز على مناطق الدماغ المعنيّة فعلًا بالوعي وتجنب العوامل المربكة والتي لها علاقة بالاستيقاظ بدلًا من النوم أو التخدير".


جمع الباحثون 46 متطوعًا من أجل الدراسة، كي يناموا في مختبرات معهد ويسكونسن للنوم والوعي Wisconsin Institute of Sleep and Consciousness (WISC) وجعلهم يرتدون قبعات فيها 256 إلكترودًا لقياس نشاط الدماغ والوجه. وتم إيقاظ المشتركين في نقاط زمنية مختلفة وسؤالهم عن أحلامهم.

ورصدت إحدى التجارب تغيراتٍ في النشاط أثناء الحلم في منطقة تقع في الجزء الخلفي من الدماغ والتي أطلق عليها الباحثون اسم "المنطقة الساخنة القشرية الخلفية" posterior cortical hot zone، وهي تساعد عادةً أدمغتنا على معالجة الصور ودمج حواسنا.

وأخبرت الباحثة فرانشيسكا سيكلاري Francesca Siclari نقولا ديفيس Nicola Davis من دورية Guardian أنَّه قد تمت مشاهدة شكل النشاط نفسه خلال مرحلتي النوم ذي الحركة السريعة للعين (REM sleep)، والنوم عديم الحركة السريعة للعين (non-REM sleep) بغض النظر عما تفعله أقسام الدماغ الأخرى، وهذا ما يدعى "الإشارة المميزة للدماغ الحالم signature of the dreaming brain".

من خلال رصد هذه "المنطقة الساخنة" ومن ثم إيقاظ المشتركين بالدراسة، تمكّن الفريق من التنبؤ بدقة (تبلغ 87%) إن كان المتطوعون يحلمون أم لا.

لم يتمكن العلماء إلى الآن من العثور على العلامات الدالة على الأحلام التي تحدث خلال مرحلة non-REM وتوجد شكوك حول كون أحلام مرحلة الـ non-REM موجودة في الأصل أم لا. فهل الأحلام التي نراها خلال مرحلة non-REM هي مجرد ذكريات للأحلام التي نراها خلال مرحلة REM؟

تجيب الدراسة الجديدة بالنفي على هذا السؤال؛ فاستنادًا إلى إجابات المتطوعين في الدراسة فإننا لانزال نرى العديد من الأحلام وأعيننا مغلقة حتى ولو لم نتذكّر كل ما حلمنا به عند استيقاظنا.

بحثت تجربة أخرى في مضمون الأحلام، وتمكّن الباحثون من ربط نشاط الدماغ الذي يحدث خلال الأحلام مع أحد أنشطة الدماغ المماثلة التي تحدث عندما نكون مستيقظين، وذلك كالنشاط الذي يحدث في الأجزاء المسؤولة عن التعرّف على الوجوه.

تقول سيكلاري: "يشير ذلك إلى أنّ الأحلام تجند مناطق الدماغ المسؤولة عن معايشة بعض أنواع التجارب في اليقظة من أجل محتويات محددة. وهذا يشير أيضًا إلى أنّ الأحلام هي التجارب التي تحدث فعلًا خلال اليقظة، وأنّها ليست مُجرد "اختراعات" أو "تخاريف" نختلقها خلال الفترة التي ننهض بها من النوم".

وربطت التجارب أيضًا نشاطًا أكبر في قشرة الفص الجبهي أثناء الحلم -ذلك الجزء من الدماغ المرتبط بالذاكرة- والاستذكار الأفضل لتلك الأحلام.

تضيف سيكلاري: "ربما يكون نشاط الدماغ أثناء الحلم و الاستيقاظ أكثر تشابهًا مما قد يتخيله المرء".

في حين أنه مازال أمامنا شوط طويل من القدرة على التلاعب بأحلامنا على غرار فيلم البداية Inception، إلا أنّ الدراسة تعلِّمنا الكثير عن الأحلام: مثل الحاجة لمنطقة صغيرة من الدماغ من أجل توليد الأحلام التي تبدو وكأنها تجارب واعية.

ويقول الباحثون أنَّ العديد من الدراسات المستقبلية الآن ستنبثق من هذا العمل، مثل المزيد من التحقيقات فيما إذا كنا نحلم من أجل معالجة ذكريات اليوم.

لم يشارك كريستوف نيسن Christoph Nissen من جامعة الخدمات النفسية University Psychiatric Services في سويسرا Switzerland في الدراسة، لكنّه أخبر تشيلسي وايت Chelsea Whyte من دورية New Scientist أنّ خريطة الدماغ الجديدة هذه قد تفتح أمامنا طرقًا للتحكم بالنوم، وربما لمنع حدوث الكوابيس عند الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة PTSD أو لعلاج الأرق.

وفي هذه الأثناء، سارع خبراء آخرون إلى الثناء على عمل الباحثين. حيث يقول مارك بلاغروف Mark Blagrove من مختبرات النوم في جامعة سوانسي Swansea University والذي لم يشارك في البحث لدورية The Guardian:"إنّ أهمية هذا المقال مذهلة حقًا". وأضاف: "فهي مماثلة تمامًا لأهمية اكتشاف مرحلة النوم REM، بل و أكثر أهمية منها في بعض النواحي".


نُشر البحث في دورية Nature Neuroscience.
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات