ما الذي يفعله النمل عند مواجهة العوائق؟ أبراج غارقة!

يُدعّم وزن برج النمل بمقطع عرضي أكثر وسعاً في قاعدته والذي يسمح للنمل بتوزيع وزنه بشكل أفضل. حقوق الصورة: Georgia Tech

ليس عليك الذهاب إلى باريس إذا أردت رؤية برج إيفل، كل ما عليك فعله هو إلقاء نظرة أسفل قدميك والانتباه لخطواتك، إذ يستخدم النمل الناري أجساده لبناء هياكل تأخذ شكل برج إيفل عندما يواجهون عائقاً عالياً عند البحث عن طعام أو عند الهروب لمناطق جديدة. 

تشير دراسة جديدة من معهد جورجيا للتكنولوجيا إلى أن النمل يبني هذه الهياكل من دون قائد أو عمل منظم. تتجول كل نملة عشوائياً ملتزمة بمجموعة معينة من القواعد حتى تشارك، من دون دراية، في بناء برج يصل طوله بضع إنشات.

قال ديفيد هو David Hu أستاذ الهندسة الميكانيكية بمعهد جورجيا الذي شارك في إدارة هذه الدراسة: "إذا راقبت النمل لمدة 30 ثانية، لن يكون لديك أدنى فكرة بأن شيئاً خارقاً سيُنتج خلال 20 دقيقة، فبدون تخطيط وباستخدام التجربة والخطأ، يبنون هيكلاً على شكل جرس يساعدهم على النجاة".

إن دراسة البرج هي عبارة عن متابعة لبحث يعود لعام 2014 يدعى بطوف النمل، والذي فحص كيف تربط الحشرات أجسادها لبناء هياكل مقاومة للماء تبقى عائمة لشهور. يسير النمل إلى الإمام حتى يصل إلى مساحة مفتوحة (حافة الطوف) ثم يستقر ليصبح حجر الأساس للطوف. ويقوم النمل بنفس الشيء بالنسبة للأبراج، باحثاً عن بقعة فارغة كسيارة في موقف سيارات مزدحم. فهو حالما يرى بقعة فارغة (عادةً في رأس البرج) فإنها تتوقف وتحث المزيد من النمل للتسلق بشكل عمودي.

ولكن عمودي هو مصطلح نسبي، إذ لا يُثبت النمل نفسه بشكل مستقيم صعوداً ونزولاً كناطحة سحاب. عوضاً عن ذلك، يزداد عرض البرج بازدياد ارتفاعه، فيصبح شكله تدريجياً، كشكل معلم باريس البارز، برج إيفل. فيدعم وزن البرج بمقطع عرضي أوسع في قاعدته والذي يسمح للنمل بتوزيع وزنهم بشكل أفضل.
 



لا يُثبّت النمل نفسه بشكل مستقيم صعوداً وهبوطاً كناطحة سحاب ولكن عوضاً عن ذلك يتسع عرض البرج كلما ازداد ارتفاعه. فيصبح، تدريجياً، كشكل برج إيفل. المصدر: Georgia Tech


يقول غريغ توفي Graig Tovy المؤلف المشارك للدراسة والأستاذ في مدرسة ستيورات الصناعية في معهد جورجيا: "وجدنا أن النمل قادر على حمل ضعف وزن جسدهم 750 مرة من دون إصابة، ولكنهم يبدون أكثر راحة عند حمل ثلاث نملات على ظهورهم، فإذا زاد العدد إلى أكثر من 3 سوف يستسلمون، يفكون عقدهم ويسيرون بعيداً".

على الرغم من أن النمل يوزع وزنه بشكل متساوٍ كمجموعة، فإن البرج في حركة مستمرة. ويغرق العمود كلما عملت الحشرات كما لو أن الجزء السفلي يذوب كالزبدة فينزلق النمل ويخرج من الأنفاق المدفونة في القاعدة. إن حركة البرج مشابهة لحركة نافورة الشوكولا البطيئة لكن بشكل عكسي.

اكتُشِفت الأبراج الغارقة عن طريق الصدفة، حيث خطط الباحثون لتسجيل النمل وهو يقوم بعملية البناء لمدة ساعتين ولكنهم مددوا التسجيل لثلاث ساعات. وقال توفي: "لم نتوقع رؤية أي شيء مميز في هذه الساعة الإضافية لذلك زدنا سرعة الفيديو 10 مرات أكثر من سرعته الحقيقية. لقد دُهشنا باختلاف حركات النمل".

في الوقت الحقيقي، رأوا النمل يتحرك منشغلاً على سطح البرج، الذي على ما يبدو هو برج نمل ثابت ولكن في السرعة القصوى، بدت حركات النمل الظاهرية ضبابية وانهار البرج بأكمله نحو الأسفل. وقال توفي: "كان غرق البرج بطيئاً جداً ليُرى بسرعته الحقيقية".

 


إن النقط السوداء ما هي إلا نمل مهرول على سطح البرج دائم الغرق. المصدر: Georgia Tech


تم تأكيد الغرق بواسطة التصوير بالأشعة السينية x-ray، إذ قام بعض الباحثون بتغذية بعض النمل بطعام مُشع، ثم رموا المستعمرة في جهاز الأشعة السينية عبر الحرم الجامعي في مختبر الفيزياء للبروفيسور دان غولدمان Dan Goldman، وسجلت الكاميرات المخلوقات مرة أخرى وهي تبني البرج. وباستخدام التصوير المتقطع لأحداث تحدث ببطء ثم عرضها بسرعة، شاهدوا الحشرات المشعة تسير على الجوانب وتغرق تدريجياً إلى أعماق البرج، تاركة كومة ثم تكرر العملية لساعات.

يقول هو HU عضو هيئة التدريس في كلية العلوم البيولوجية: "تشبه أبراجُ النمل الجلدَ البشري، إذ يُعاد بناء البرج باستمرار ويُبدل سطحه".

يمكن أن تكون للنتائج المنشورة حالياً في مجلة Royal Society Open Science آثارٌ على الروبوتات المعيارية والتي ليست ذات فعالية كبيرة حالياً في بناء أبراج عالية. إلا أن توفي Tovey، الذي هو أيضاً عالم أحياء كان لديه سبب مختلف لدراسة سلوك النمل. فيقول: "انقرض 99% من كل الأنواع التي عاشت على سطح الأرض. وطور بقيتنا طرقاً فعالة جداً للبقاء على قيد الحياة، فلماذا لا ندرس هذه العمليات؟ لا يعلم المهندسون والعلماء إلى ما ستتوصل إليه نتائجنا، ولكن التصميم المستوحى حيوياً يمكن أن يكون أداة قوية لجعل عالمنا أكثر فاعلية".

نُشر المقال "النمل الناري يُعيد بناء الأبراج دائمة الغرق" في 11 تموز/يوليو.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات