الذكاء الصنعي قادر على التنبؤ بحركتك القادمة من خلال مراقبة عينيك

غالباً ما تخون أعيننا نوايانا. في الألعاب الرياضية و ألعاب الطاولة و الورق يستطيع اللاعبون رؤية بعضهم البعض مما يخلق طبقة إضافية في اللعب الجماعي مبنية على أساس النظرات و لغة الجسد وغيرها من الإيماءات الغير لفظية. من ناحية ثانية، تفتقر الألعاب الرقمية لهذه الإشارات تماماً، فحتى عندما تلعب ضد أشخاص آخرين لا توجد سوى وسائل قليلة لنقل المعلومات المباشرة دون النطق بكلمة.


إلا إن الزيادة الأخيرة في توفر متعقبات العين الاستهلاكية قد تغير نظرتنا تجاه الألعاب الرقمية،حيث تستخدم هذه المتعقبات كاميرا تعمل بالأشعة تحت الحمراء و مصابيح ليد LED تعمل بالأشعة تحت الحمراء لتقدير موضع نظر المستخدم على الشاشة. في الوقت الحاضر، من الممكن شراء أجهزة متعقبات الأعين الدقيقة والمتينة بميلغ زهيد يقارب 90 دولار أمريكي.

من الممكن شراء متعقبات حركة الأعين دقيقة ومتينة بمبلغ زهيد يقارب 90 دولار أمريكي. حقوق الصورة: Shutterstock
من الممكن شراء متعقبات حركة الأعين دقيقة ومتينة بمبلغ زهيد يقارب 90 دولار أمريكي. حقوق الصورة: Shutterstock


متعقبات الأعين في الألعاب الرقمية


يمكن أن تتواجد متعقبات الأعين أيضاً ضمن الحواسيب المحمولة (اللابتوب) وأجهزة الواقع الافتراضي الملبوسة على الرأس VR Headsets، مما يتيح كثير من الفرص لدمج تقنية تعقب العين في تطوير الألعاب، وسهل هذا أمامنا الطريق في معرفة كيفية دمج الإشارات المنبعثة من العين في الألعاب ضد لاعبين آخرين ومع الذكاء الصنعي.


لتوضيح هذا المفهوم، نستخدم النسخة الرقمية من لعبة تيكيت تو رايد (تذكرة سفر) Ticket to Ride. في هذه اللعبةـ يتوجب على اللاعبين بناء طرق ومسارات بين مدن محددة على اللوح، مع الانتباه إلى عدم كشف خططك تجنباً لقيام اللاعبين الآخرين بعرقلة الطرق التي تقوم ببناءها. 


في حالة اللعب على اللوح، إن لم تكن حذراً فإن خصمك قد يكتشف خطتك من طريقة نظرك إلى اللوح. على سبيل المثال، إذا أردت وضع طريق بين مدينتين فإنك ستقوم تلقائياً بالنظر بين المدينتين مرات متعددة للتفكير في طرق بديلة مع الأخذ بعين الاعتبار الموارد الموجودة في الأوراق التي تحملها بيدك.


كشف أحد الأبحاث (يمكن الاطلاع على البحث من هنــا) أننا عندما نرى أين ينظر خصومنا يمكننا أن نستنتج بعض أهدافهم ولكن فقط إذا كان ذاك الخصم لا يعلم أنه يخضع للمراقبة، فإذا علم الخصم بذلك فإنه سيبدأ بتطبيق استراتيجيات مختلفة لخداعنا مثل النظر إلى طريق مخادع أو النظر في كل أنحاء اللوح.


هل يمكن للذكاء الصنعي الاستفادة من هذه المعلومة؟


السؤال في هذه الحالة هو فيما إذا كان الذكاء الصنعي الخاص بلعبة ما قادراً على إستخدام المعلومات المتعلقة بحركة أعين اللاعبين لإعطاء تنبؤ أفضل عن حركات اللاعبين في المستقبل بناءً على نماذج سابقة من التعرف على النوايا المستخدمة في الذكاء الصنعي، وقد تم دراسة ذلك في بحث بعنوان "الدمج بين التخطيط والنظر في مجال التعرف على النوايا البشرية عبر الإنترنت" (يمكن الاطلاع على هذا البحث هنـــا)، تم نشره في شهر يوليو/تموز 2018.


في هذا البحث، تم في البداية شرح فكرة أنه في معظم الألعاب يعتمد الذكاء الصنعي على حركات اللاعب السابقة للتنبؤ بحركتهم القادمة.


مثلاً، في الصورة الموجودة في الأسفل على اليسار: بفرض أن اللاعب يبحث عن طرق للذهان من مدينة سانتافيه Santa Fe إلى جهة أخرى غير معروفة على الخريطة فتكون وظيفة الذكاء الصنعي هي تحديد تلك الوجهة المجهولة. ابتداءً من سانتافيه، جميع الوجهات متساوية الاحتمالات، لكن بعد الوصول إلى دينفر Denver يصبح من غير الوجه أن الوجهة التالية هي أوكلاهوما سيتي Oklahoma City لأنه كان من الممكن أخذ طريق آخر مباشر وأسهل. إذا انتقل بعدها من دينفر إلى هيلينا Helena تصبح كل من مدينة سالت لايك سيتي Salt Lake City وأوكلاهوما أقل احتمالاً كوجهة تالية.


استخدم الباحثون نموذجاً مطوراً يُعزز النموذج التقليدي السابق بحيث يأخذ في عين الاعتبار موضع نظر اللاعب. فكرة هذا النموذج بسيطة، حيث يكون نظر اللاعب إلى مسار معين يزيد من احتمالية اختيار اللاعب لهذا المسار. 


مثلاً في الصورة الموجودة في الأسفل على اليمين: بعد الذهاب إلى دينفر يستطيع تظام تعقب العين معرفة أن اللاعب كان ينظر إلى الطريق بين مدينة سياتل Seattle وهيلينا بينما يتجاهل أجزاء أخرى من الخريطة. ومن هنا يستنتج النظام أن من المرجح أكثر اختيار اللاعب لهذا الطريق والوصول إلى مدينة سياتل.
 

على اليسار: من دون معلومات مرتبطة بالنظر يكون من الصعب معرفة الزجهة التالية لخصمك. على اليمين: من خلال تحديد أن خصمك يستمر بالنظر إلى هيلينا وسياتل يمكن للذكاء الصنعي القيام بتنبؤات أفضل حول الطرق التالية التي سيتخذها اللاعب.
على اليسار: من دون معلومات مرتبطة بالنظر يكون من الصعب معرفة الزجهة التالية لخصمك. على اليمين: من خلال تحديد أن خصمك يستمر بالنظر إلى هيلينا وسياتل يمكن للذكاء الصنعي القيام بتنبؤات أفضل حول الطرق التالية التي سيتخذها اللاعب.


بمعنى أن الذكاء الصنعي هنا يزيد من الاحتمالية النسبية لهذا الحدث، وينقصها بالنسبة للأحداث الأخرى، وبالتالي يكون تنبؤه بأن الحركة التالية هي باتجاه هيلينا وليس سولت لايك سيتي. 


أراد الباحثون بعدها تقدير قدرة نظام الذكاء الصنعي الخاص بهم من خلال اختبار قدرته على تنبؤ الحركة التالية في 20 جلسة لاعبين من لعبة تيكيت تو رايد، ثم قاسوا دقة تنبؤاتهم وإمكانية الوصول إليها في مراحل مبكرة من اللعبة.


أظهرت النتائج أن النظام التقليدي للتعرف على النوايا تمكن من التنبؤ بالحركة التالية بشكل صحيح بنسبة 23%، لكن عند إضافة تعقب النظر زادت الدقة لتصل إلى 55%. علاوةً على ذلك، تمكن نموذج النظر من التنبؤ بالوجهة الصحيحة في وقت أبكر من النموذج التقليدي، حيث كان الفارق بينهما دقيقة ونصف. هذه النتائج توضح أن استخدام تعقب العين يمكن استخجامه للتنبؤ بالأخداث بشكل أفضل وأسرع بكثير من الاعتماد على الأحداث السابقة فقط.


كما أظهرت نتائج إضافية (غير منشورة بعد) أن النموذج المعتمد على تعقب العين يعمل أيضاً إذا كان الشخص الذي تتم مراقبته يعرف أنه مُراقب، حيث وُجد أن استراتيجيات الخداع التي يستخدمها اللاعبون لجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لخصومهم لايمكنها أن تخدع الذكاء الصنعي بنفس الفعالية.


يمكن تطبيق هذه الفكرة في سياقات أخرى مختلفة عن الألعاب، كالتجميع التعاوني بين الروبوتات والبشر في المصانع. في مثل هذه الحالة، ستؤدي نظرة الشخص بشكل طبيعي إلى تنبؤات أبكر وأكثر دقة من قبل الروبوت، مما قد يساهم في رفع مستوى الأمان وتحسين تناسق العمل.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات