العمل التطوعي والإبداع

يُقال أن الأدب يُبدعُ في الإنسان إحساسه بالجمال وهذا صحيح، لكنَّ العلمَ ومحبته هما من يقف خلف فكرة الإنسان بمجملها؛ فالعلم ينقلها لتصير قادرةً على استشعار كل جمال وجميل. ويُميز العلم دوماً قُدرته الهائلة على طرح الأسئلة، فهو لا يهتم باستمرار بتلمس الطريق نحو الأجوبة، وذلك لن يُوقفه أبداً عن طرح المزيد من الأسئلة. 

 

يكاد الفرق بين العالم ومحب العلم من جهة وبين الشعراء العاشقين من جهة أخرى يُشبه خط الأفق الرفيع، الذي يفصل بين واقعين كلٌ منهما أكثر سحرا من الآخر. ولذلك أن تكون ناشراً للعلم والمعرفة هو أمرٌ لا يقل أهميةً على الإطلاق عن أن تكون عالماً، فقد حرص الكثير من العلماء على نشر العلم ومحبته، وما كان ريتشارد فاينمان أولهم ولن يكون ليونيد سسكايند آخرهم؛ فكيف سيكون الأمر لدى من اجتمعت محبته للدراسة والبحث مع شغفه بنشر العلم.

 

وُلدت فكرة ناسا بالعربي انطلاقاً من محبة الفيزياء بشكلٍ خاص وإيماناً بأهمية تطور مجتمعاتنا بشكلٍ عام، وهي كمبادرة تطوعية تعمل بشكلٍ دؤوب على نشر المقالات العلمية من مصادرها الأولية والمرموقة عالمياً. وتُوفر للقارئ مجالاً متنوعاً من المقالات بدءاً بتلك عالية التخصص وانتهاءً بمقالاتٍ ذات طابعٍ توعويٍ وتعليمي. 

 

اجتمع في هذه المبادرة أشخاص من كافة الخلفيات الثقافية والقومية وكلهم يتطلعون إلى هدفٍ وحيد وهو خدمة المجتمع وزيادة المحتوى الرقمي العلمي العربي، أملاً بانتقال مجتمعاتنا في يومٍ ما، قد لا يكون بعيداً، من ترجمة علوم العصر الراهن إلى صناعة علوم المستقبل.

 

عندما تجد نفسك أمام عمل تطوعي ودؤوب في مجال ترجمة العلوم امتد على مدار أكثر من عامين، فأنت حتماً ستواجه كماً هائلاً من المقالات المترجمة التي يعتمد ترتيبها وأرشفتها وحفظها على تطور فهمك للعمل التطوعي وآلياته، فكيف ستكون الحال إن بدأ الأمر من الصفر ودون أي مساعدة أو عون!

 

من المؤكد أنه بعد مضي عامين، ستكون المقالات والأعمال المترجمة قد تراكمت بشكلٍ فوضوي ومزعج جداً، فما بالك لو أردت فجأة أن تُحول هذه الأعمال إلى موقعٍ الكتروني. عند هذه النقطة بالذات، لست بحاجة إلى عددٍ هائلٍ من الناس، بقدر حاجتك إلى عددٍ قليلٍ من المتطوعين "الأسطورة". لا يُمكن إيجاد هذا النوع من المتطوعين إلا في فئة محددة جداً من الناس، وهي فئة مدفوعةٌ بالضرورة بإيمانها العميق بالرسالة التي تطوعت لخدمتها وأيضاً بمحبتها لما تقوم به. 

 

هذا النوع من المتطوعين لا يؤمن بالظروف ولا يتحجج بوجود ضغوط العمل، فكل ما يدفعه هو حبه وإيمانه بالرسالة التي يؤديها. إنهم ببساطة أشخاص كلما أنجزوا عملهم على أكمل وجه، كلما شعروا بضرورة القيام بالمزيد. وبفضل هؤلاء الأشخاص "الأسطورة"، تمكنّا في ناسا بالعربي من وضع قدمنا على بداية طريق طويل لا يُرشدنا فيه إلا العلم وزراعة ثقافة العمل التطوعي في كل خطوة نخطوها، إيماناً منَّا بأهميته التي تتجاوز أهمية كل أنواع العمل الأخرى. 

 

تمكنا حتى الآن في موقعنا المتواضع من تحميل بين 10% إلى 15% من أرشيفنا، وسنعمل خلال الأسابيع القادمة على تحميل المزيد. وفي النهاية، نتوجه كمبادرة بالشكر الكبير لأولئك المتطوعين "الأسطورة" ولعملهم الذي امتد على شهر كامل ليجعلوا من وصول محتوى الموقع إلى حوالي 1000 مقال أمراً ممكناً، علماً أن حجم الأرشيف يصل إلى 5000 مقال، بالإضافة إلى ترجمات لآلاف الصور، التي سيعمل الفريق على رفعها إلى الموقع لاحقاً. 

 

نشكر كل أصدقاء المبادرة، وكل المتابعين والقارئين على كافة أشكال الدعم والمساعدة التي قدموها لفريق مبادرة ناسا بالعربي؛ ونتمنى أن نُقدم دوماً كل ما هو جديد ومفيد.  


مبادرة ناسا بالعربي​

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات