بفضل الجمع بين بيانات مستكشف المريخ المداري وصور القطب الشمالي للمريخ، وجد فريق علماء من معهد الأبحاث الجنوبي الغربي دليلًا على حدوث عصر جليدي على سطح الكوكب الأحمر. حصل العلماء على هذه الصورة المُركّبة باستخدام كاميرا التصوير عالية الدقة (HRSC) والموجودة على متن المركبة مارس إكسبرس (MEx) التابعة لوكالة الفضاء الأوربية (ESA). نرى في الصورة معالم حلزونية استخدمها العلماء لتفسير العلامات المناخية المرتبطة بحدوث العصر الجليدي وانتهائه.
المصدر:
ESA/DLR/FU-Berlin/Ralf Jaumann.
بفضل بيانات الرادار التي جمعها مستكشف المريخ المداري التابع لناسا، تمكن العلماء في معهد الأبحاث الجنوبي الغربي SwRI من اكتشاف أدلة في رواسب القطب الشمالي للمريخ، تشير إلى حدوث عصر جليدي على سطحه. نتجت العصور الجليدية على سطح المريخ عن عمليات مشابهة لتلك المسؤولة عن حدوث العصور الجليدية على الأرض، والمقصود هنا هي التغيرات الدورية طويلة الأمد في مدار الكوكب وميله، والتي تؤثّر على كمية الإشعاع الشمسي التي يتلقاها الكوكب عند كل درجة من درجات العرض.
يقول الدكتور "إسحاق سميث" Isaac Smith، وهو باحث في أبحاث ما بعد الدكتوراه كما أنه المؤلف الرئيسي في الورقة العلمية: "اكتشفنا وجود معدل تراكمٍ متسارعٍ للجليد على ارتفاعات تتراوح بين 100 إلى 300 مترٍ فوق الطبقة الجليدية القطبية. ومن جهة أخرى، تتطابق سماكة الجليد وحجمه مع التنبؤات التي وضعتها النماذج في أوائل القرن الحالي. وبالطبع، منحتنا الأرصاد الرادارية للغطاء القطبي تاريخًا مفصلًا لتراكم الجليد وتعريته المرتبطَين بالتغيرات المناخية". ومن الجدير ذكره أن الورقة العلمية قد نشرت في عدد مجلة Science الصادر بتاريخ 27 مايو/أيار.
يُعد المريخ في عصره الحديث شبيهًا بالأرض من ناحية وجود دوران سنوي ودورات موسمية، فضلًا عن الدورات التي تستمر لفترة طويلة جدًا مما يؤثر على توزع الجليد على سطحه. ومع ذلك، قد تكون هذه الدورات الطّويلة أكثر وضوحًا على سطح المريخ وذلك لأن ميل المريخ بتغير بشكل كبير -بنسبة تصل إلى 60 درجة- على فترات زمنية تمتد من مئات الآلاف إلى ملايين السنين. وهذه النسبة عالية جدًا مقارنة بالأرض التي يتغير ميلها بنحو 2 درجة خلال الفترة نفسها. يحدّد هذا التغير الكبير الحاصل على سطح المريخ كمية أشعة الشمس الساقطة على بقعة معينة على السطح، وبالتالي استقرار الجليد في جميع المناطق التي تقع على مختلف درجات العرض.
يقول سميث: "يتقلب المناخ على سطح المريخ كلما ازداد تأرجحُ الميل المحوري للكوكب، وبالتالي ستتوزع كمية الجليد بشكل مختلف عند كلّ تأرجح، وعليه سيبدو المريخ في الماضي مختلفًا بشكل أكبر مما هو عليه الآن. وعلاوة على ذلك، يمكننا اعتبار المريخ بمثابة 'مختبر' لفهم المناخ على سطح الأرض، وذلك نظرًا لعدم وجود أي محيطات على سطحه".
تظهر القياسات المفصَّلة لسماكة الجليد أن كمية تبلغ نحو 87,000 كيلومتر مكعبًا من الجليد قد تراكمت في القطبين منذ نهاية آخر عصر جليدي، أي قبل نحو 370 ألف سنة. وأوضحت القياسات أيضًا أن الغالبية العظمى من الجليد المتراكم موجودة في القطب الشمالي للمريخ. وفي حالة انتشرت هذه الكمية الكبيرة بشكل متساوٍ على امتداد سطح الكوكب، فستشكل طبقة يبلغ سمكها 60 سنتيمترًا.
تقدّم هذه النتائج للعلماء وسيلة لفهم تاريخ تراكم البقايا القطبية المرتبط بحركات المريخ، مثل: الاختلاف المداري والميل المحوري والدوران حول الشمس. ومن جهة أخرى، ستدعم النتائج جهود العلماء في وضع نموذج يمكّنهم من فهم مناخ المريخ، ومراقبة حركة الجليد في القطبين والمناطق الممتدة على درجات العرض الوسطى أثناء العصور المختلفة.
يقول سميث: "إن دراسة الجليد على سطح المريخ هو أمر مهم أيضًا لمستقبل عمليات الاستكشاف البشري للكوكب الأحمر. فوجود الماء هو أمر حيوي لإقامة قاعدة على سطح المريخ".
نشرت الورقة العلمية في مجلة Science بعنوان: "An ice age recorded in the polar deposits of Mars"، وهي مموّلة من قبل بعثة مستكشف المريخ المداري التابعة لوكالة ناسا.