العيش على متن محطة الفضاء يترك

حقوق الصورة: ناسا



نحن بحاجةٍ إلى أن نعرف أكثر عن الآثار بعيدة المدى للعيش في الفضاء إذا أردنا معرفة المزيد عن الكون؛ كشفت دراستان أن محطة الفضاء الدوليّة ISS تترك بصمتها الميكروبية على روّاد الفضاء، والعكس صحيح.

إن هاتين الدراستين جزءٌ من المشروعات الجارية التي تبحث في كيفية تأثير السفر إلى الفضاء على الكائنات الحيّة الدقيقة للبشر human microbiome، أي جميع الكائنات الحيّة الدقيقة التي تعيش على الجسم البشريّ وداخله، بدءًا ببكتيريا الأمعاء وانتهاءً بالكائنات الحيّة الدقيقة التي تعيش على جلدنا، ثم دراسة كيف لهذه الكائنات الحيّة الدقيقة أن تؤثر بدورها على المركبة الفضائية حول روّاد الفضاء.

كانت تلك النتائج موضوعًا مثيرًا للاهتمام، ونُشرت النتائج في مجلة Scientific Reports في عام 2019 تحت عنوان: دراسة تحليليّة لتسعة روّاد فضاء.

تقصّت الدراسة حالة أفراد الطاقم الذين وُجِدوا على متن محطة الفضاء الدولية لمدة تتراوح بين 6 إلى 12 شهرًا، وقد وجدت أمرًا مثيرًا للدهشة، وهو أنَّ الكائنات المعويّة الدقيقة قد أصبحت أكثر تنوعًا في بيئة الفضاء المعقمة والخالية من البكتيريا.

عُدَّة مسحات للكائنات الحية الدقيقة في محطة الفضاء الدولية. (حقوق الصورة: NASA).
عُدَّة مسحات للكائنات الحية الدقيقة في محطة الفضاء الدولية. (حقوق الصورة: NASA).


يقول عالم الأحياء الدقيقة هيرنان لورينزي Hernan Lorenzi من معهد ج. كرايج فينتير: "نظرًا لبيئة المحطة النظيفة جدًا، فقد كنا نتوقع انخفاضًا في تنوع الكائنات الدقيقة للأمعاء في الفضاء مقارنةً بحالتها قبل رحلة الإقلاع أو ما بعدها، وذلك لكون روّاد الفضاء أقل تعرضًا للبكتيريا البيئيّة".

قد يكون هذا الاكتشاف غير المتوقع نتيجةً للأنظمة الغذائية التي يُتحكّم فيها بعناية على متن محطة الفضاء الدولية، إذ تعمل وكالة ناسا بجدٍّ لتوفير أكثر من 200 خيارًا للطعام والشراب على متن محطة الفضاء، مما يمنح روّاد الفضاء خيارات أكثر تنوعًا مما قد يحصلون عليه في منازلهم.

إن الأمر المُفرح هو أنَّه قد يكون لهذه البصمة الخاصة بالكائنات الحيّة الدقيقة للأمعاء أثرٌ إيجابي -بشكلٍ عام، كلما ازداد تنوع بكتيريا الأمعاء، ازدادت فرصنا في درء المرض؛ ومع ذلك، لم ينظر الباحثون حتى الآن فيما إذا كان هذا هو الحال عند روّاد الفضاء.

لقد لُوحِظَت نتائج أكثر تداخلًا عند اختبار الكائنات الحيّة الدقيقة للجلد؛ فقد شهد بعض روّاد الفضاء زيادة في تنوع بكتيريا الجلد، بينما شهد آخرون انخفاضًا؛ كان الاتجاه الثابت الوحيد هو انخفاض نوع من البكتيريا وهي البكتيريا البروتينية Proteobacteria، وذلك ربما بسبب نظافة المحطة الفضائية (يوجد هذا الصنف من البكتيريا في التربة بكمياتٍ كبيرة).

لقد تبيَّن أننا نتسبب في تغيّراتٍ جرثوميةٍ في الاتجاه المقابل أيضًا لدرجة أن العلماء قادرون على معرفة أيّ من روّاد الفضاء كان موجودًا على متن محطة الفضاء الدولية ببساطة من خلال النظر إلى الآثار الميكروبية التي خلّفوها وراءهم.

يقول لورينزي: "تتشابه الكائنات الحيّة الدقيقة لمحطة الفضاء بتركيبتها مع الكائنات الحيّة الدقيقة المتواجدة على جلد الروّاد الذين كانوا يعيشون في الفضاء في تلك اللحظة بالذات. يبدأ جلد رائد الفضاء في التأثير على الكائنات الحيّة الدقيقة في المحطة، بينما تؤثر المحطة بدورها أيضًا على جلد روّاد الفضاء".

هنا يأتي دور الدراسة الثانية التي نُشرت مؤخرًا في مجلة PLOS One، حيث جمع الباحثون مسحات للفم والأنف والأذن والجلد واللعاب من أحد أعضاء طاقم محطة الفضاء الدولية قبل وأثناء وبعد مهمتهم، ثم قارنوها بالعينات المأخوذة من ثمانية أسطح لمحطة الفضاء الدولية أثناء وبعد إقامة عضو الطاقم، وقد تمكّن الباحثون من اكتشاف أنماطٍ مطابقة للكائنات الحية الدقيقة.

استُخدِمت تقنيةٌ مخبريّةٌ خاصةٌ تُعرف باسم التحليل التسلسلي للمادة الوراثية المستخرجة من العينات البيئية، وذلك لاستكشاف الحمض النووي DNA في العينات بالتفصيل مرةً أخرى على الأرض. في المجمل، لقد تشابهت الكائنات الحية الدقيقة المأخوذة من رائد الفضاء بنسبة 55% مع الكائنات الحيّة الدقيقة على أسطح المحطة، وقد كانت الميكروبات السطحية أيضًا تشبه تلك الموجودة في عينات الجلد إلى حدٍّ كبيرٍ.

وجدت الدراسة أن هذه التشابهات البكتيريّة قد استمرت حتى أربعة أشهر بعد مغادرة رائد الفضاء، وفي حين أن هذا الجانب من البحث قد شمل عضوًا واحدًا من الطاقم فقط حتى الآن، إلا أنه يوفر أساسًا مثيرًا للاهتمام من أجل الدراسة المستقبليّة.

من خلال فهم العلاقة بين الميكروبات الخاصة بالمسافرين إلى الفضاء والمركبات الفضائية -التي تبدو قريبة من بعضها البعض- سيكون العلماء أكثر قدرةً على التخطيط للإقامات الطويلة خارج المدار، وأكثر تجهيزًا للحفاظ على سلامة روّاد الفضاء وصحتهم.

يقول عالم الأحياء الجزيئيّة كريستال جاينع Crystal Jaing من مختبر لورنس ليفرمور الوطني: "هناك تفاعل بين المنظومة الميكروبيّة لمحطة الفضاء مع طاقمها، وإنَّ فهم التفاصيل أمرٌ مهم لمنع حدوث مضاعفات على الصحة أو على المركبة الفضائية في المهمات الفضائية البشريَّة على المدى الطويل".

نُشِر البحث في مجلتَي Scientific Reports وPLOS One.


 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات