اكتشف الباحثون مؤخراً دليلاً على وجود حالة جديدة للمادة داخل مادة حقيقية، وتُعرف هذه الحالة بالسائل الدوراني الكمي (quantum spin liquid)، وهي تتسبب في جعل الإلكترونات -إحدى لبنات البناء الأساسية للمادة والتي لا يمكن تحطيمها- تتحطم إلى أشباه جسيماتٍ أصغر حجماً (quasiparticles).
تنبأ العلماء بوجود هذه الحالة من المادة داخل مواد مغناطيسية منذ أربعين سنة، لكن وبصرف النظر عن الإشارات الدالة عليها، لم يتمكنوا أبداً من اكتشاف أي دليل على وجودها في الطبيعة، ولذلك من المثير جداً حصولهم اليوم على نظرة على السائل الدوراني الكمي، وعلى الفيرميونات (fermions) الغريبة المرافقة له داخل مادة شبيهة بالغرافين وثنائية الأبعاد (two-dimensional, graphene-like material).
يقول جوهانز كنول Johannes Knolle، أحد الباحثين المشاركين في الدراسة من جامعة كامبريدج في بريطانيا: "هذه حالة كمومية جديدة للمادة، قد تم التنبؤ بها لكن لم تُشاهَد سابقاً".
تمكن الباحثون من التقاط أولى الأدلة على وجود تلك الحالة في المادة عبر رصد واحدة من الخواص المذهلة للمادة "التشظي الإلكتروني"، إضافة إلى فيرميونات ماجورانا (Majorana fermions)، التي تنتج عندما تنشظر حالة السّْبين الكمي، وهذه الفيرميونات مثيرة لأنه بالإمكان استخدامها كلبنات بناء أساسية للحواسيب الكمومية.
ولنكون واضحين، فالإلكترونات لا تنشطر في الواقع إلى جسيمات فيزيائية أصغر، الأمر الذي سيكون ذا شأن عظيم ويفتح الباب أمام جسيمات جديدة في الفيزياء.
ما يحصل هو أن الحالة الجديدة للمادة تُحطم الإلكترونات إلى أشباه جسيمات، وهذه ليست جسيمات حقيقية، وإنما مفهوم يُستخدم من قبل الفيزيائيين لتفسير وحساب السلوك الغريب للجسيمات.
تتسبب حالة السائل الدوراني الكمومي في جعل الإلكترونات تتصرف بغرابة، علماً أنها تتصرف كقضبان مغناطيسية صغيرة في المواد المغناطيسية النموذجية، ولذلك عندما يجري تبريد المادة إلى درجة حرارة كافية، فإن هذه الإلكترونات المشابهة للمغانط، تُرتب نفسها على طول مسارات طويلة، بحيث تتجه كل الأقطاب المغناطيسية الشمالية في الاتجاه نفسه.
في المواد التي تحتوي حالة سائل دوراني كمي، لا تتحاذى الإلكترونات حتى لو بُردت المادة إلى الصفر المطلق، وعوضاً عن ذلك، تُشكل هذه الإلكترونات حساءً متشابكاً ينتج عن الاهتزازات الكمومية (quantum fluctuations).
يقول ديمتري كوفريزن Dmitry Kovrizhin، وهو أحد الباحثين المشاركين في الدراسة: "لم نعرف حتى وقت قريب كيف ستبدو البصمات التجريبية للسائل الدوراني الكمي، وفي الدراسات السابقة، طرحنا التساؤل التالي: ماذا سأرصد إذا أجريت تجارب على سائل دوراني كميّ محتمل؟".
وللتحقق مما كان يجري، عمل الباحثون جنباً إلى جنب مع فريق من مختبر "أواك ريدج" الوطني في تينيسي، واستخدموا تقنيات التشتت النيوتروني للبحث عن أدلة على التشظي الإلكتروني الحاصل في كلوريد الروثينيوم-ألفا (alpha-ruthenium chloride) -مادة مشابهة في بنيتها للغرافين- سمح ذلك للباحثين بقياس بصمات فيرميونات ماجورانا للمرة الأولى عبر إضاءة المادة بالنيوترونات، ومن ثمّ رصد أنماط التموجات الناتجة عن النيوترونات، عندما تتشتت على العينة.
وافقت تلك العينة توقعاتهم المبنية على النموذج النظري للسائل الدوراني الكمي، مما أكد ولأول مرة أنهم شاهدوا دليلاً على إمكانية حصول تلك الحالة في المادة، يقول كنول: "هذه إضافةٌ جديدةٌ إلى القائمة القصيرة للحالات الكمومية المعروفة".
ويُضيف كوفريزن: "إنها خطوة مهمة نحو فهم المادة الكمية، من الممتع حصولنا على حالة كمومية جديدة لم نرها في السابق، إنها تقدم احتماليات جديدة لتجربة أشياء جديدة".
تتضمن بعض تلك الأشياء الجديدة الحواسيب الكمومية (quantum computers)، التي ستكون أسرع من التقليدية بشكل كبير، وعلى الرغم من أن ذلك نظري إلى الآن، إلا أنه من الممكن أن ينتج عن الأمر بعض التطبيقات المثيرة.