العلماء يرصدون عُروضاً قوية لظاهرة الشفق على النجوم القزمة البنية

اكتشف علماء الفلك أن النجوم القزمة البنية (brown dwarf stars) تشهدُ عُروضاً قوية جداً لظاهرة الشفق القطبي تُشبه تلك التي نراها على الكثير من الكواكب. هذا وتمتلك هذه الأجسام، المعروفة أيضاً بالنجوم الفاشلة (failed stars) ، والتي من الصعب جداً اكتشافها وأيضاً تصنيفها، كتلةً كبيرة جداً بحيث لا يمكن معها تصنيفها ككواكب. لكن من ناحية أخرى، كشف عُلماء فيزياء من جامعات شيفيلد وأكسفورد عن أن هذه الأجسام تشهدُ ظواهر شفقٍ قطبي (auroras) قوية جداً كتلك التي نراها هنا على الأرض.

هذا وقد تَوصّل فريق الباحثين الدولي إلى هذا الاكتشاف عبر رصد قزمٍ بُنيٍ يقع على بُعد حوالي 20 سنة ضوئية من الأرض وذلك باستخدام تلسكوباتٍ راديويةٍ وبصرية. وتُقدّم اكتشافاتهم أدلةً على أن تلك النجوم هي أقرب، من حيث تصرفاتها، للكواكب الفائقة منها للنجوم.

وفي هذا السياق يقول الدكتور ستيوارت ليتلفير Stuart Littlefair، من قسم الفيزياء وعلم الفلك في جامعة شيفيلد: "تملأ الأقزام البنية الفراغ الكوني الموجود بين النجوم والكواكب، وتُمثّل هذه النتائج التي حصل عليها العلماء دليلاً إضافياً يدفعنا للنظر إلى الأقزام البنية على أنها كواكب فائقة وليس نجوماً فاشلة".

ويُتابع :"نحن نعلم أن الأقزام البنية تمتلك أغلفةً جوية ضبابية – تماماً كما الكواكب - على الرغم من أن سُحب الأقزام البُنية تتكوّن من المعادن نفسها التي تتكوّن منها الصخور على الأرض. والآن نعرف أيضاً أنّ الأقزام البنية تشهدُ حدوث ظواهر الشفق القطبي عليها، وهي قوية أيضاً. في بعض الأحيان، أفضل ما قد نحصل عليه من النتائج العلمية هو ببساطة التشويق الذي يُصاحب اكتشاف شيءٍ مُثيرٍ وجميل. تُعتبر الأضواء الشمالية التي نراها على الأرض واحدةً من أجمل الأشياء التي يُمكن أن تراها عيناك".


تصور فني لشفقٍ قطبيٍ فوق القزم البني المعروف بـ LSR J1835+3259 حقوق الصورة: تشاك كارتر وغريغ هالينان/ معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا
تصور فني لشفقٍ قطبيٍ فوق القزم البني المعروف بـ LSR J1835+3259 حقوق الصورة: تشاك كارتر وغريغ هالينان/ معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا


يقول ليتلفير: "لطالما أردت رؤية الشفق القطبي، لكنّي لم أحظَ بالفرصة المناسبة. إنها لمدعاة للسخرية أن أكتشف عرضاً لشفقٍ قطبيٍ أقوى بكثير من الذي نراه على الأرض ويبعد عنّا العديد من السنوات الضوئية".

 
يتشكّلُ الشفق القطبي عندما تدخل الجُسيمات المشحونة الحقل المغناطيسي للكوكب (magnetosphere). وحالما تكون داخله تتسارع تلك الجُسيمات على طول خُطوط الحقل المغناطيسي للكوكب باتجاه أقطابه حيث تتصادم مع ذرات الغاز الموجودة في الغلاف الجوي لتَنتج بذلك انبعاثاتٌ لامعة تُرافِق ظواهر الشفق القطبي. 

وأثناء الدراسة التي أجراها فريق البحث الدولي بقيادة البروفيسور غريغ هالينان Gregg Hallinan من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، جرت حملة رصدٍ مُكثفة لقزمٍ بني يُعرف بـ LSRJ1835+3259.

استخدم الفريق في عملية الرصد أقوى التلسكوبات الراديوية في العالم، مثل مصفوفة تلسكوبات كارل جانسكي الكبيرة جداً Karl G. Jansky Very Large Array، أو اختصاراً (JVLA) الموجودة في نيو ميكسيكو والتابعة للمرصد الوطني لعلم الفلك الراديوي National Radio Astronomy Observatory، بالإضافة إلى تلسكوبات بصرية شملت تلسكوب بالومار Palomar's Hale Telescope وتلسكوبات مرصد كيك W.M Keck Observatory's telescopes وذلك بهدف إجراء مُراقباتٍ أرضيةٍ قوية جداً.

وباستخدام JVLA تمكن الفريق من اكتشاف نبضةٍ لامعةٍ من الأمواج الراديوية (radio waves) ظهرت أثناء دوران القزم البني حول نفسه. يدور هذا الجسم حول نفسه مرةً واحدةً كل 2.84 ساعة، ولذلك كان الفريق قادراً على رصدِ ومشاهدة ثلاث عمليات دوران كاملة على طول ليلة واحدة.

قام علماء الفلك باستخدام تلسكوب هال (Hale telescope) لرصد القزم البني وتغيّره في المجال البصري في نفس الفترة التي جرى فيها رصد النبضات الراديوية. وقد وجد الفريق أن سطوع الجسم يتغير بشكلٍ دوري، ما يُشير إلى وجود مَعْلَمٍ ساطعٍ فوق سطح القزم البني.

من جهته يقول الدكتور غاريت كوتر Garret Cotter من جامعة أكسفورد والذي كان عضواً في الدراسة: "كان من المثير جداً تعقّب الضوء البصري الصادر عن ظاهرة الشفق القطبي أثناء الليل باستخدام تلسكوب هال في كاليفورنيا، كونه واحداً من أقوى التلسكوبات في العالم. في الوقت نفسه تعقّبنا الانبعاث الراديوي باستخدام JVLA، أحد أحدث التلسكوبات الراديوية في العالم".

في النهاية، استخدم الباحثون تلسكوب كيك لإجراء قياسٍ دقيقٍ لسُطوع القزم البني على طول فترة محددةٍ من الزمن، ولم يكن ذلك بالأمر البسيط إذا أخذنا بالاعتبار أن هذه الأجسام خافتة جداً، فسُطوعها أقل من سُطوع شمسنا بآلاف المرات. 

نتيجةً لتلك القياسات، قدّر علماء الفلك أن المَعْلَم البصري الساطعَ الموجود على النجم البني ناتجٌ على الأرجح عن إلكتروناتٍ تصطدم بالغلاف الجوي للقزم البني، الذي يتكوّن بمعظمه من الهيدروجين، ليؤدي ذلك إلى نُشوءِ ظواهر الشفق القطبي تلك.

تمنح اكتشافات هذه الدراسة المنشورة في مجلة Nature علماء الفلك نقطة انطلاق ملائمة لإجراء دراساتٍ مُستقبلية تتعلق بالكواكب الخارجية (exoplanets) التي تدور حول نُجومٍ أخرى غير شمسنا. 

ويقول كوتر: "في العلم، غالباً ما تتحدى المعارف الجديدة فَهمنا. نحن نعرف مدى الجدل الذي أثارته مسألة بلوتو على سبيل المثال، حيث كان على عُلماء الفلك البحث ملياً من أجل حسم القرار المتعلق بوضع بلوتو من حيث تصنيفه ضمن الكواكب الرئيسية في النظام الشمسي أو استبعاده واعتباره واحداً من أجسام حزام كايبر (Kuiper belt).

ويُتابع: "الآن، ومن ناحية أخرى يُواجهنا تحدٍ آخر يتمثل بدراسة الأقزام البنية، فهي تُصنّف في العادة على أنها نجوم، لكنها في الوقت نفسه تمتلك الكثير من السمات التي تجعلها أقرب للكواكب فائقة الحجم منها للنجوم".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الغلاف المغناطيسي (Magnetosphere): هي المنطقة من الفضاء التي تكون قريبة من جسم فلكي ما ويتم داخلها التحكم بالجسيمات المشحونة من قبل الحقل المغناطيسي للجسم.
  • الكواكب الخارجية (Exoplanets): أو الكواكب الموجودة خارج النظام الشمسي.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات