كيف يحمي الدماغ نفسه من آثار الكوكائين؟

يمكن للكوكائين أن يكون متسببًا بالإدمان بشكل كبير، ولكن ليس لدرجة مماثلة للافتقار للخلايا الدبيقية. حقوق الصورة: Mukhina Viktoriia/Shutterstock.
قد تسبب تلك الأشياء التي نضعها في أجسامنا من أجل المتعة بعض الآثار الجانبية السيئة فعلًا ونذكر من بين ما نذكر تلك الأشياء التي تأتي بشكل مسحوق أبيض يدخل في أنفك استنشاقًا. ولكن، لحسن الحظ، لأدمغتنا خطة طوارئ تدخل حيز التنفيذ حالما تتغلب علينا نزواتنا الطائشة ونقرر استخدام العقارات المخدرة. في دراسة جديدة نشرت في دورية Neuron، استطاع فريق من الباحثين تمييز آلية يحمي بها الدماغ نفسه في مواجهة الكوكائين، مما يفتح الباب أمام علاجات محتملة للاضطرابات المتعلقة بمعاقرة المخدرات.

بحسب مؤلفي الدراسة، فإن من تتحكم بنظام الدفاع المتأصل في أجسامنا هي الخلايا الدبيقية [1] microglia، وهي نوع من الخلايا المناعية الموجودة في الدماغ والجهاز العصبي المركزي. "ينشط الكوكائين هذه الدبيقيات، والتي تتسبب في إفراز إشارة التهابية (مادة مثيرة للالتهاب) inflammatory signal والتي تحاول أن تعكس التغييرات التي يحفزها الكوكائين في العصبونات"، هذا ما قاله الباحث الرئيسي ديفيد ستيلواجين، من معهد أبحاث المركز الطبي لجامعة مكغيل (RI-MUHC) في مونتريال، في تصريح له.

تحفز المخدرات مثل الكوكائين إطلاقًا كبيرًا للنواقل العصبية كالدوبامين، والذي يؤثر على ما يسمى بـ"ـدارة الثواب" reward circuit، متسببًا في أحاسيس جالبة للسرور. يمكن للاستخدام المستمر للكوكائين أن يتسبب في تغييرات تحدث في منطقة في الدماغ تسمى النواة المتّكِئة nucleus accumbens واختصارًا NAc، والتي تعتبر بمثابة مكون جوهري لدارة الثواب هذه.

وعلى وجه الخصوص، يقوي إدمان الكوكائين الوصلات (أو التشابكات العصبية) بين العصبونات في النواة المتكئة، متسببًا في تقليل حساسيتها للأدوية، ومؤديا كذلك إلى تطوير سلوكيات مترسخة ترسيخًا كبيرًا، والتي تشتمل في العادة الرغبة في البحث عن هذه المواد باستمرار.

على أي حال، تطلق الدبيقيات إشارة التهابية تسمى "عامل نخر الورم-ألفا" Tumor necrosis factor-alpha واختصارًا TNF-a، والذي يعمل على تقليل قوة التشابكات العصبية في النواة المتكئة، مما دفع بمؤلفي الدراسة إلى أن يفترضوا أن هذه الخلايا قد تلعب دورًا في تجنب آثار الكوكائين.

الكوكائين يؤثر على قوة التشابكات العصبية في منطقة من الدماغ تسمى النواة المتكئة. حقوق الصورة:adike/Shutterstock
الكوكائين يؤثر على قوة التشابكات العصبية في منطقة من الدماغ تسمى النواة المتكئة. حقوق الصورة:adike/Shutterstock
من أجل اختبار ذلك، قارنوا بين النشاط الحاصل في النواة المتكئة في الفئران عندما أعطيت الكوكائين، ووجدوا أنه وبعد فترة قصيرة من تناولها العقار، سرعان ما ارتفعت لديها مستويات الـTNF-a في هذه المنطقة من الدماغ، مما تسبب في تقليل قوة التشابكات العصبية.

كرر الباحثون بعد ذلك التجربة مستخدمين فئرانًا مصممة جينيًا على أن ينقصها الـ TNF-a، ووجدوا أن قوة التشابكات في النواة المتكئة عند الفئران ارتفعت مباشرة بعد حصولها على الكوكائين. ونتيجة لذلك، أظهرت هذه الفئران نزعة للإدمان على المخدر أكبر بكثير من الفئران العادية.

ومنه استنتج الباحثون أن الدبيقيات يحفزها الكوكائين، عن طريق إفراز الـ TNF-a، في سبيل أن تحجب الآثار المدمرة له -وهو الأمر الذي يقول عنه ستيلواجين أنه قد يكون السبب الرئيسي الذي يمنع "تحول الاستخدام الاعتيادي إلى إدمان مزمن". وعلى الرغم من ذلك، فقد وجد الباحثون أيضًا أن "استجابة الدبيقيات تتلاشى مع الزمن"، ما يعني أن هذه القابلية على تجنب الإدمان تقل إذا استمر الشخص باستخدام الكوكائين لفترات طويلة.

برغم ذلك فإنه من المدهش أن الباحثين وجدوا أنهم كانوا قادرين على إعادة تنشيط الدبيقيات في الفئران المدمنة على الكوكائين باستخدامهم لمركب يدعى الشحم أحادي الفوسفوريل إيه Monophosphoryl lipid A واختصارًا MPLA، مما تسبب في تقليل لسلوكياتهم في البحث عن المخدر.

مع أن هذه النتائج تحتاج إلى أن تكرر في أبحاث على البشر قبل أن نشعر بالابتهاج كثيرًا، إلى أن مؤلفي الدراسة يدعون أن بياناتهم "تشير إلى أن الـ MPLA قد يقلل من التحفيز من أجل الحصول على المخدرات، ويمكن استخدامه لمنع الانتكاسات، وهي مشكلة كبيرة في علاج الإدمان".

الملاحظات:
[1]الدبيقيات microglia: والتي يترجم اسمها الإنجليزي حرفيًا إلى "الصمغيات الصغيرة"، ويشار إليها أحينًا بـ"صمغ الدماغ" في إشارة إلى وظيفتها في الدماغ؛ حيث تعمل على دعم وحماية الخلايا العصبية في الدماغ.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات