علماء يحوِّلون البلاستِك إلى وقود سائل

توصَّل العلماء إلى طريقةٍ جديدة لتحويل المخلفات إلى وقودٍ سائل، وهذه العملية تستهلك طاقة أقل من الطرق السابقة وتنتهي بمنتجٍ ذي نوعيةٍ أجود. تقوم هذه التقنية بتفكيك البولي إثيلين polyethylene، وهو البلاستك الأكثر توفرًا في العالم، والذي يستخدم لصنع كل شيء بدءاً بالأغشية البلاستيكية وأغلفة المواد الغذائية إلى عبوات الماء وأكياس التسوق، ويتم إنتاج حوالي 100 مليون طن من هذه المادة سنويًا.


ولم يتم التوصُّل حتى وقتٍ قريب إلى حلٍّ مناسبٍ بما فيه الكفاية لمشكلة البلاستك، فقد كنا نراكمه في مكباتٍ تقتل البشر، ونطمره في الأرض، وندعه يتراكم في المحيطات ليشكل جزر قمامة ضخمة تطفو على السطح.


أجل، إنَّ رد فعلنا العالمي للنفايات البلاستيكية يكافئ دفع كل شيء تحت السرير على أمل أن تحلّ المشكلة بأعجوبة ما، ولكن تشير تقديرات إلى أنه بحلول عام 2050 سيكون هناك بلاستيك أكثر من السمك في محيطاتنا. وكما نقلت لنا فيونا ماكدونالد Fiona MacDonald في بداية هذا العام، فإن 95 % من البلاستك يتم رميه بعد استخدامه لمرة واحدة فقط، و8 ملايين طن من البلاستك ينتهي بها المطاف في محيطاتنا سنويًا بما يعادل تفريغ شاحنة قمامة ممتلئة كل دقيقة.


كشف تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي World Economic Forum اواختصاراً (WEF) في يناير/كانون الثاني أنه: "إن لم يتم القيام بأي عمل من المتوقع أن يزيد ذلك إلى شاحنتين ممتلئتين بالدقيقة الواحدة بحلول عام 2030، وأربع شاحنات بالدقيقة بحلول عام 2050. وفي حال استمرار هذا السيناريو، فمن المتوقع أن يحتوي المحيط طنًا من البلاستك مقابل كل ثلاثة أطنان من السمك بحلول 2025، وبحلول عام 2050، سيكون هناك بلاستك أكثر من السمك!".


ولكنكم لستم بحاجة لأخبركم بمدى سوء الوضع، فقد شهدنا هذا الأمر يتنامى لعقود من الزمن، الحلُّ بسيطٌ جداً، علينا تحويل نفايات البلاستيك إلى سلعة يمكن للناس أن يستخدموها، وبوجود كل الهيدروجين والكربون اللذان يشكلان البولي إيثيلين، فإنَّ وقود الهيدروكربون السائل هو الخيار الواضح. الأمر الذي كان يعيقنا عن تحقيق حلم البلاستيك القابل للتدوير هو أنه وبالرغم من أن البولي إيثيلين مصنوع من الوقود الأحفوري، فإن تحويله إلى أجزائه الأساسية قد كان تحديًا هائلًا، بسبب مقدار استقرار البلاستيك كمركب كيميائي.


ويقول أحد أعضاء الفريق زيبين غوان Zhibin Guan، وهو كيميائي مختص بالبوليمر الصناعي في جامعة كاليفورنيا في إيرفين University of California, Irvine، أمينة خان Amina Khan من مجلة لوس أنجليس تايمز Los Angeles Times: "إن تركتم البلاستك في المحيط أو البيئة أو قمتم بطمره تحت التراب، فإنه سيبقى هناك لمئات أو آلاف السنين".


دون معالجة خاصة سيبقى البولي إيثيلين في حالته الراهنة، بفضل الروابط الذرية الأحادية المستقرة لدرجة كبيرة والتي تمنحه بنيته. وإذا ما تمَّ تسخينه بما يكفي، فإن هذه الروابط ستتحطم في نهاية المطاف، ولكن ليس بأي طريقة عملية.


وتوضح خان قائلةً: "إذا حاولتم تسخينها لأكثر من 400 درجة سيليسيوس (وهذا ما تقوم به بعض الطرق)، فإنها تتحطم إلى كل أنواع المركبات، وينتج عن ذلك مزيج مختلط ليس له فائدة من الغاز والزيت والشمع والفحم.


ولمعالجة مشكلة "فعالية الطاقة المنخفضة وعدم القدرة على التحكم بالمنتج" قام غوان وفريقه بتوحيد جهودهم مع باحثين من معهد شنغهاي للكيمياء العضوية في الصين Shanghai Institute of Organic Chemistry، لصنع تقنية إعادة تدوير للبلاستيك تتطلب قدرًا من الحرارة أقل بكثير. تستخدم العملية محفزات كيميائية تستعمل عادةً لإنتاج البوليميرات، ولكن يتم استخدامها هنا لتفكيك البوليميرات عوضًا عن تركيبها.

 
المحفز الأول يفصل ذرات الهيدروجين عن ذرات الكربون، الأمر الذي يؤدي إلى تشكيل ذرات الكربون لروابط مع بعضها البعض، وتشكل ذرات الكربون هذه المتشكلة حديثاً روابط مزدوجة لا أحادية، والتي يقوم محفز آخر بتفكيكها، وتعود ذرات الهيدروجين المنفصلة لتدخل المزيج مرة أخرى، وتتكرَّر العملية لعدة مرات.

جميع هذه العمليات من تفكيك وتغيير وحذف وتحطيم وإضافة وإعادة ترتيب، تسمح للفريق بتغيير تركيب البولي إيثيلين بحذر وبشكلٍ تدريجي لتحويله إلى وقود ديزل أو شمع يمكن استخدامه لأغراض صناعية. ولأن العملية تتطلب تسخين إلى حوالي 175 درجة سيليسيوس (347 فهرنهايت) عوضًا عن 400 درجة سيليسيوس (752 فهرنهايت)- لتفكيك البلاستيك، لذا فإنها تستهلك طاقة أقل بكثير من تقنيات أخرى مشابهة. 

إلا أنَّ الجوانب السلبية في هذه العملية تكمن في كونها بطيئة - إذ تستغرق حوالي أربعة أسابيع لتكتمل- كما أن المحفزات المستخدمة فيها مكلفة. يشرح روبرت سيرفس Robert Service لمجلة سينس Science Magazine قائلًا: "في البداية، تفكك المحفزات البولي إيثيلين ببطء خلال يوم واحد أو أكثر، وهي أيضًا مكلفة وتنحل بعد تفكيك بضعة آلاف فقط من سلاسل البوليمر، وهو عدد أقل بكثير من الملايين التي تفككها معظم المحفزات التجارية".

يعمل غوان وفريقه الآن للوصول إلى طريقة تجعل تقنيتهم هذه أكثر فعالية، لذا نأمل أن نبدأ في استخراج كل التلوث الذي دفناه ونقوم أخيرًا بالاستفادة منه.
إن لم ينفعنا ذلك، فإن المخلوقات الدقيقة آكلة البلاستيك قد تكون أملنا الوحيد.

 
تمَّ نشر الدراسة في مجلة سينس أدفانسيس Science Advances.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات