الانفجار العظيم ومشكلة الليثيوم في الكون

واجه العلماء خلال العقود الماضية، مشكلة في نظرية الانفجار الكبير. إذ تشير هذه النظرية إلى وجوب وجود ثلاثة أضعاف الليثيوم الذي نستطيع رصده. لماذا يوجد مثل هذا التناقض في التوقعات والأرصاد؟

لنتعمق في المشكلة، لنعد قليلاً إلى الوراء. دُعمت نظرية الانفجار الكبير بالكثير من الأدلة وهي مقبولة بشكل كبير لتفسيرها كيفية بداية الكون.

وهذه هي الأدلة الرئيسية التي تدعم النظرية
  •  أرصاد الخلفية الكونية الميكروية.
  •  فهمنا المتزايد لبنى الكون ذات المقياس الكبير.
  •  توافق كبير بين الحسابات والأرصاد لوفرة النوى الخفيفة الأولية (لا تحاول قول ذلك ثلاث مرات بشكل متتالي وسريع).

لكن ما يزال هنالك بعض التساؤلات الصغيرة حول هذه النظرية.




تتمحور مشكلة الليثيوم المفقود حول المراحل الأولى من تشكل الكون. وتحديداً بين أول 10 ثواني إلى 20 دقيقة بعد الانفجار الكبير. كان الكون حارا جدا،ً ويتمدد بسرعة كبيرة وهذا كان بداية ما يدعى عصر الفوتون Photon Epoch

تشكلت في ذلك الوقت الأنوية الذرية بالاصطناع النووي nucleosynthesis. لكنّ الحرارة العالية التي سيطرت على الكون منعت النوى من الارتباط مع الالكترونات وتشكيل الذرات. كان الكون عبارة عن بلازما من النوى والالكترونات والفوتونات.

تشكلت في ذلك الوقت فقط النوى الأخف وزناً، بما في ذلك معظم الهيليوم في الكون وكميات قليلة من النوى الخفيفة الأخرى. مثل الديتيريوم وصديقنا الليثيوم. بالنسبة للجزء الأكبر من العناصر الأثقل لم تتشكل حتى ظهور النجوم وأخذها دور الاصطناع النووي.


تبين الصورة التوضيحية مراحل تطور الكون بدءاَ من الانفجار الكبير في يسار الصورة، وصولاً إلى الوقت الحالي على اليمين.  حقوق الصورة: NASA
تبين الصورة التوضيحية مراحل تطور الكون بدءاَ من الانفجار الكبير في يسار الصورة، وصولاً إلى الوقت الحالي على اليمين. حقوق الصورة: NASA


المشكلة في أنّ فهمنا لنظرية الانفجار الكبير يخبرنا أنّ كمية الليثيوم يجب أن تكون ثلاثة أضعاف الموجود. كانت النظرية على حق فيما يتعلق بالنوى البدائية الأخرى. توافق أرصادنا على الديتيريوم والهليوم توقعات النظرية. لم يتمكن العلماء حتى الآن من حل هذا التناقض.

لكنّ الورقة الجديدة من الباحثين في الصين ربما تحل هذه الأحجية.

يفترض الاصطناع النووي في الانفجار الكبير أنّ كل النوى في حالة توازن حراري. وسرعاتها تتفق مع ما يدعى توزيع ماكسويل-بولتزمان الكلاسيكي Maxwell-Boltzmann distribution. لكن يصف هذا التوزيع ما يحصل فيما يسمى الغاز المثالي. يمكن أن يسلك الغاز الحقيقي سلوكا مختلفا تماماً وهذا ما يقترحه الباحثون:

إنّ النوى في بلازما فترة الفوتونات الأولية من الكون تصرفت بشكل مختلف قليلاً عما يُعتقد.

يظهر الشكل توزيع العناصر الخفيفة البدائية الأولى في الكون بدلالة الوقت ودرجة الحرارة. ممثلة الحرارة على المحور الشاقولي والوقت على المحور الأفقي والغزارة على الجانب. حقوق الصورة: Hou et al. 2017
يظهر الشكل توزيع العناصر الخفيفة البدائية الأولى في الكون بدلالة الوقت ودرجة الحرارة. ممثلة الحرارة على المحور الشاقولي والوقت على المحور الأفقي والغزارة على الجانب. حقوق الصورة: Hou et al. 2017


يقبل المؤلفون بما يعرف بالاحصائيات غير الواسعة non-extensive statistics لحل المشكلة. في الرسم البياني أعلاه، الخطوط المنقطة من نموذج المؤلفين يتوقع وفرة أقل من نظائر البريليوم. هذا هو المفتاح، بحيث يتحلل البريليوم إلى الليثيوم. المفتاح هو أنّ الكمية الناتجة من الليثيوم، ومن النوى الأخرى الأخف، تتفق كلها مع الكمية التي يتنبأ بها توزيع ماكسويل-بولتزمان. إنها لحظة غبطة للمهتمين بعلم الكونيات.


سلسلة تحلل الأنوية الخفيفة البدائية في الأيام الأولى للكون. لاحظ السهم الرفيع الأحمر بين البيريليوم والليثيوم عند 10-13، أبكر وقت مبين في هذا المخطط.  حقوق الصورة: Chou et. al.
سلسلة تحلل الأنوية الخفيفة البدائية في الأيام الأولى للكون. لاحظ السهم الرفيع الأحمر بين البيريليوم والليثيوم عند 10-13، أبكر وقت مبين في هذا المخطط. حقوق الصورة: Chou et. al.


وهذا كله يعني أنّ العلماء يستطيعون التنبؤ بدقة بوفرة ثلاثة من النوى البدائية في الكون: الهليوم والديتيريوم والليثيوم دون أي تناقض ودون أي ليثيوم مفقود. هذه هي طريقة العلم لتذليل العقبات، وإن كان مؤلفوا الورقة محقون، فهذا يؤكد أيضاً على أهمية الانفجار الكبير، ويجعلنا أقرب بخطوة من فهم كيفية تشكل الكون.

لقد وجدتها!

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات