رذاذ يمكنه إسكات الجينات في النباتات دون تغيير حمضها النووي

ما هو مستقبل الكائنات المعدلة جينياً؟


قام باحثون استراليون بتطوير رذاذ إسكات جيني يمكنه تعديل النباتات دون تغيير فعلي لحمضها النووي الريبوزي منقوص الأكسجين DNA. هذا يعني أنه بالإمكان جعل المحاصيل أكثر قدرةً على مقاومة الفيروسات أو الجفاف، دون الحاجة إلى تعديلها جينياً.

ويأمل فريق البحث أن يُستخدم هذا الرذاذ في المستقبل لإنتاج محاصيل جديدة وصديقة للبيئة، عن طريق تمكينها من تحمّل الطقس الجاف أو النمو في ظروف أكثر قسوة، دون الاعتماد فقط على الكائنات الحية المعدلة جينياً (GMOs).

وقالت نينا ميتر Neena Mitter من جامعة كوينزلاند University of Queensland وإحدى أعضاء الفريق مصرحة لمايكل لو بيج Michael Le Page من مجلة نيو ساينتست New Scientist: "نحن نعتقد أن هذا بمثابة تغير جذري في حماية المحاصيل المستدامة بيئياً". 

وطور باحثون آخرون أنواع رذاذ مشابه في الماضي، ولكن هذا الرذاذ -كما أفاد الفريق- كان قادراً على حماية نباتات التبغ من الإصابة بالفيروس لمدة عشرين يوماً عند استخدامه لمرة واحدة فقط، وهذه أطول نتيجة تم الحصول عليها حتى الآن.

ولكن كيف يعمل هذا الرذاذ؟


لا يقوم هذا الرذاذ المعروف بالطين الحيوي Bio Clay بتغيير فعال على الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين للنباتات التي يلامسها. ولكنه بدلاً من ذلك، يقوم بتغيير النظام الدفاعي الداخلي المستخدم من قبل النباتات لمحاربة العدوى الفيروسية، والذي لديه القدرة على إيقاف التعبير الجيني مؤقتاً.

وقال لو بيج في تقريره: "عندما تهاجم الفيروسات الخلايا، تقوم الخلايا بقطع بعض من الأحماض النووية الريبوزية RNA للفيروس لتكوين أجزاء صغيرة من الأحماض النووية الريبوزية المزدوجة double-stranded RNA، تستخدمها في التعرف على أي حمض نووي ريبوزي متطابق التسلسل وتدميره".

وتعرف هذه العملية بتداخل الحمض النووي الريبوزي (أو اختصاراً بـِ RNAi)، وعند التعرف على شريط حمض نووي ريبوزي في عملية تداخل الحمض النووي الريبوزي RNAi يتم الارتباط به وتفكيكه.

قد تذكر من دراستك لعلم الأحياء في المرحلة الثانوية، أن الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين يتم ترجمته إلى حمض نووي ريبوزي، والذي يخرج بعد ذلك من النواة إلى الخلية ويصنع البروتين. ولكن إذا تم تكسير الحمض النووي الريبوزي، يتوقف إنتاج البروتين ويتم إيقاف الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين بشكل أساسي، فلا يكون قادراً على إحداث أي تغيير في النبات.

ويستطيع العلماء التحكم في هذه العملية عن طريق استخدام الحمض النووي الريبوزي للجين الذي يريدون إسكاته بدلاً من تداخل الحمض النووي الريبوزي. وبهذه الطريقة لا يدخل أي فيروس فعلياً، وهذا يخدع النبات ويجعله يعتقد بأن الحمض النووي الريبوزي الخاص به عبارة عن فيروس، مما يحفز النظام الدفاعي ويوقف التعبير الجيني دون التعديل الفعلي لمتسلسلة الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين.

وقالت ميتر في بيان صحفي: "بمجرد رش النبات بالطين الحيوي، يظن النبات أنه هوجم من قبل مرض أو آفة حشرية، ويستجيب لذلك بحماية نفسه من الآفة المستهدفة أو المرض". وأضافت ميتر: "إن رشة واحدة من الطين الحيوي تحمي النبات، ويتحلل بعد ذلك لتقليل المخاطر البيئية أو الصحية على الإنسان".

كان الرذاذ المستخدم في الماضي والذي يعمل بهذه الطريقة يستمر تأثيره فقط لعدة أيام بعد كل استخدام، وذلك لأن الأحماض النووية الريبوزية سريعة التحلل. وعلاوة على ذلك، فإنها عالية التكلفة مما يجعل من الصعب على المزارعين أن يقوموا بإعادة رشها كل بضعة أيام.

 

 

 
ولكي يجعلوا تأثير هذا الرذاذ يدوم لفترة أطول، قام الفريق بأخذ الحمض النووي الريبوزي RNA من نبات التبغ والذي عادة يجعل المحصول سريع التأثر بالفيروسات، وخلطوه بجزيئات نانوية موجبة الشحنة من الطين.

تصنع هذه الجزيئات النانوية الطينية من صفائح متراصة من المعا
دن تحمي الأحماض النووية الريبوزية سالبة الشحنة وتتحلل تدريجياً لتُطلقها داخل الخلية مما يطيل تأثير الإسكات الجيني.

فعند رش حقل على سبيل المثال، يتجزأ الطين تدريجياً محرراً الأحماض النووية الريبوزية التي تمتصها النباتات، لتبدأ عملية التداخل، وبذلك يكون قد تم تعديل النبات على نحو فعّال دون تعديل الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين DNA الخاص به.

وقال الفريق: "على الرغم من أن أنواع الرذاذ السابقة المشابهة لهذا الرذاذ قد تصل تكلفتها لـ 100 ألف دولار للغرام الواحد، إلا أنه من الممكن تصنيع الغرام الواحد من هذا النوع بدولارين فقط". وفي حين يأمل الفريق أن يُوفر هذا الرذاذ طريقة لتعديل المحاصيل دون تغيير جوهرها، لا زالت هذه الأنواع من الرذاذ تثير المشاكل.

فعلى سبيل المثال، عندما يتم استخدام هذا الرذاذ لفترة طويلة، قد يقوم النبات بتطوير نظام دفاع طبيعي ضده. وقد يكون لرش النباتات غير المستهدفة -النباتات التي لا تحتاج إلى تعديل- بهذا الرذاذ أضراراً جانبية. ومن المرجح أن يكون هناك جدل في المستقبل حول الكائنات التي يمكن اعتبارها معدلة جينياً. 

فهل يقوم هذا الرذاذ بتغيير النباتات للدرجة الكافية ليتم تصنيفها على أنها كائنات معدلة جينياً؟ أم هل سيكون المزارعين العضويين قادرين على تصنيف عملية الإسكات الجيني في النبات على أنها عملية "طبيعية تماماً"؟

ولا يبدو جون كيلمر John Killmer من شركة biotech startup Apse -والذي لم يشارك في الدراسة ولكنه يعمل على أنواع رذاذ مشابه- قلقاً من الأضرار المحتملة. وقال جون كيلمر لمجلة نيو ساينتست: "لقد اتصل المزارعين العضويين بي وطلبوا مني الإسراع في تطوير هذه التقنية".

يبدو أنه يتوجب علينا الانتظار لنرى كيف سيتطور الأمر، إلا أن تطور مثل هذا الرذاذ يمكنه أن يوفر للمزارعين طريقة لزيادة المحاصيل الزراعية عن طريق جعل النباتات أقوى دون تعديل الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين الخاص بها.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات